إسرائيل بين التطهير العرقي والأبرتهايد

 

 

 
 

نجت إسرائيل، التي أسست كيانها الكولونيالي بالتوازي مع جنوب أفريقيا عام 1948، من جريمة الفصل العنصري- الأبرتهايد، لأنها ارتكبت جريمة أشد خطورة، وهي جريمة التطهير العرقي، حيث قامت باقتلاع الغالبية العظمى من سكان البلاد الأصليين، والاستيلاء على أراضيهم وبيوتهم وأملاكهم.

إسرائيل لم تقم نظامين قانونيين واحدا للمستوطنين والثاني للسكان الأصليين، ولا هي أقامت بنتستونات للفلسطينيين عام 48 ليس لأنها أرحم من الكيان الكولونيالي في جنوب أفريقيا، بل لأنها اختارت الطريق الأقصر أو "الحل النهائي"، وهو التخلص من الفلسطينيين وتطهير البلاد منهم، وهو حل أثبت نجاحا نسبيا خلال الـ 20 سنة الأولى من عمر إسرائيل، أي قبل استكمال احتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية عام 1967.

بخلاف احتلال عام 1948 الذي مارست إسرائيل خلاله حملات واسعة من التطهير العرقي، فإنها لم تنجح عام 1967 في اقتلاع غالبية السكان الأصليين من المناطق التي احتلتها حيث بقيت المدن والقرى الفلسطينية في الضفة والقطاع عامرة بأهلها وناسها الذين شكلوا وما زالوا شوكة في حلق الاحتلال، وحجر عثرة في وجه مخططات الإلحاق والضم، ومحاولات سحب السيادة الإسرائيلية على هذه المناطق.

ولا غرابة والحال كذلك أن تقترن مخططات الضم بمخططات الترانسفير ( التعبير المخفف للتطهير العرقي) وهي مخططات تمارس بالتوازي في ما يسمى منطقة "جـ" التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، والتي تخضع وفق تصنيفات أوسلو لسيطرة إسرائيلية كاملة، حيث توغل إسرائيل في سياسة مصادرة الأرض وهدم البيوت بهدف إخلاء تلك المنطقة من سكانها الفلسطينيين تمهيدا لضمها وسحب السيادة الإسرائيلية عليها.

المؤرخ الإسرائيلي، دانييل بالطمان، تطرق إلى "التطهير العرقي" في الموروث الصهيوني، في مقال نشرته "هآرتس" هذا الأسبوع، وتناول فيه مخطط إجلاء 40 ألف من العمال الأجانب وعائلاتهم عن إسرائيل، منوها بأن هذا المخطط يضع إسرائيل في قائمة "الشرف" إلى جانب الدول الملوثة أياديها بجرائم "إبادة شعب" أو "تطهير عرقي" وطرد لاجئين.

وهو يذكر، "بأن الصهيونية ودولة إسرائيل مارست منذ بداية طريقها فصولا من التهجير والقتل تحت يافطة ضرورة إقامة "وطن قومي" يتمتع بأغلبية صلبة للشعب اليهودي، وهو ما يتناقض مع التوجهات الليبرالية الإنسانية التي قامت عليها التقاليد الليبرالية الأوروبية للقرن التاسع عشر، والتي تربي في أحضانها منظرو الصهيونية أمثال "إحاد هعام"، "هرتسل" و"جبوتنسكي". ويشير في هذا السياق، إلى أن الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين كانوا ضحية القرار الحاسم، بغض النظر فيما إذا كان قد فرض أو اتخذته قيادة الدولة اليهودية الفتية طوعا وبوعي، والمتعلق بتحويل الدولة اليهودية إلى دولة أحادية الإثنية والقومية بالقدر الذي تسمح يه الظروف الدولية والعسكرية.

ويضيف بالطمان، "أن الصهيونية كحركة يغلب عليها مركب الاستيطان الكولونيالي، لم ترغب في إبقاء السكان الفلسطينيين الأصليين فوق أرضهم، لأن وجودهم سيبقى بمثابة دليل حي على إشكالية ادعاء اليهود ملكيتهم لهذه الأرض وحقهم التاريخي عليها، من هنا فإن بقاء الفلسطينيين بأعداد كبيرة، ناهيك عما يخلقه من مشاكل أمنية، يبقي مسألة الملكية الحقيقية على الأرض مفتوحة، الأمر الذي جعل مسألة "نقلهم" من هنا باتفاق وموافقة أو بالعنف والقوة هدفا دائما على أجندة الفكر الصهيوني خلال كل سنوات الانتداب البريطاني، كما أن هذا الهدف الذي تحقق جزئيا عام 1948 لم يتغير حتى اليوم بالرغم من تفهم صعوبة تحقيقه في الظروف الحالية".

إذا، الصهيونية بعكس الحركة الكولونيالية التي نشأت في جنوب أفريقيا، حملت ادعاءات توراتية تاريخية ونقشت على رايتها شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وهو شعار ما كان يمكن تحقيقه دون ممارسة "التطهير العرقي" ضد سكان البلاد الأصليين عام 1948، والذي تحول إلى جزء من عقيدتها وموروث كيانها السياسي، تمارسه ضد كل من تعتقد أنه يهدد نقائها العرقي، مثل العمال الأجانب، وهي جاهزة لممارسته ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والداخل في ظروف دولية وعسكرية مواتية، وربما لهذا السبب لا تتخوف من أن يحولها إلغاء حل الدولتين إلى دولة أبرتهايد.

 

 


تصميم وبرمجة: باسل شليوط