الديمقراطية العرقية الحديثة

يأتي "قانون القومية" ليخترق المجتمع متسللا بلا حسيب ولا رقيب وفِي ظل غياب كلمة الحق، ليلوح له كل عنصري بغيض لتعزيز سياسة المؤسسة الإسرائيلية الانتقائية التي تنتهج نهج الأنظمة الفاشية في أواسط القرن العشرين.

وفي الوقت الذي يعزز فيه العالم الحر حقوق الحيوان والحفاظ على بيئته الحياتية، تخرج علينا أْبواق الحركة الصهيونية الأكثر تطرفا لتميز نفسها ولتنأى بنفسها، تعاليا وغرورا، عن باقي الشعوب.

وقد تغنت المؤسسة الإسرائيلية منذ نشأتها بالديمقراطية ولوحت بمفاهيم حقوق الإنسان والحريّة والديمقراطية، في الوقت الذي لم تتنازل فيه عن تميزها عن باقي القوميات والشعوب.

و"قانون القومية" ما هو إلا قوننة النهج المتبع منذ عشرات السنين، ويأتي بالأساس لتفضيل القيم اليهودية على كافة القيم الديمقراطية. إضافة إلى ذلك، يعطي هذا القانون الشرعية المطلقة للنهج الانتقائي العنصري الذي تنتهجه أصلا مؤسسات الدولة في العديد من الميادين.

لم تعد المؤسسة قادرة على إخفاء نهجها الانتقائي العنصري الذي تمارسه. فاتسع الخرق على الراقع، وباتت أذرع المؤسسة ضعيفة أمام بقايا الديمقراطية الافتراضية في المحكمة العليا الإسرائيلية. وما تحرر منه العالم في قوانينه ونهجه على الأقل، تتبناه المؤسسة الإسرائيلية بتبنيه دون أي رادع وتحت غطاء أغلبية عنصرية فاشية في برلمانها الذي أصبح مصنعا للقيم غير الإنسانية.

يأتي هذا القانون في ظل سياسة عنصرية قمعية لا مثيل لها. ويأتي كأنه نوع من الحماية من جرف المواطنين العرب على المدن اليهودية الجديدة. وسابقة قعدان القضائية ما زالت في ماثلة، والمجتمع الإسرائيلي بأغلبيته العنصرية ليس بحاجة لأي قانون يُذكره بعنصريته ضد العرب وإقصائهم. كما أن النهج الإقصائي الذي تتبعه مؤسسات إسرائيل وأذرعها بات مفضوحا، فمنذ قيام الدولة لم تنشئ الدولة مدينة عربية مثلا، في الوقت الذي بنت فيه مئات البلدات اليهودية التي تحرم العرب من السكن فيها.

لا أظن أن هناك أي قانون في العالم يفضل مواطن على مواطن بسبب قوميته إلا في إسرائيل. ففي حال مثول مواطنين أمام المحكمة، يخول قانون القومية المحكمة بتفضيل القيم اليهودية على الديمقراطية، وتصر المؤسسة الإسرائيلية، رغم هذه الفضائح، على الادعاء بأنها دولة ديمقراطية.

يندرج هذا القانون ضمن مجموعة قوانين مبطنة والتي تترنح ما بين القيم الديمقراطية والقيم اليهودية الانتقائية، خاصة تلك التي تحاول طمس النوايا العنصرية بحق القوميات الأخرى في البلاد. إن المؤسسة الإسرائيلية تعمل بمنأى عن العالم وتتصرف وكأنها وحدها على هذه الأرض من ناحية، وتحاول أن تحسب نفسها على العالم الحر والديمقراطي من ناحية أخرى.

كيف للعالم الحر تقبّل قيم كالقيم التي تفرضها المؤسسة الإسرائيلية؟ وهل من المعقول أن تتبنى قوانين عنصرية تلغي القوميات الأخرى وتقوم بذات الوقت بالتغني بالقيم الديمقراطية؟

لسنا بصدد محاربة من يحاول الحفاظ على الطابع الديني أو الاجتماعي أو من يحاول الحفاظ على عادات وتقاليد المجموعة اليهودية في هذه البلاد، فمن حق كل مجموعة أن تُمارس حياتها وأن تقوم بطقوسها الدينية بحرية. لكن يجب علينا أن نقف سدا منيعا عندما تحاول المؤسسة التمييز عن مجموعات قومية أخرى وتفضيل مجموعة على حساب مجموعة أخرى بشكل دستوري.

طالما أجحفت المؤسسة الإسرائيلية بحق الأقلية الفلسطينية بهذه البلاد،. على سبيل المثال قانون "حق العودة" الذي تنتهجه المؤسسة الإسرائيلية منذ قيامها ويخول اليهود فقط، ويستقطبهم من جميع أنحاء العالم، بالهجرة إلى البلاد، على الرغم من إشكالية العلاقة بين من عاش في دول العالم قاطبة وبين "أرض الميعاد". وفي الوقت ذاته، تحرم المؤسسة مَن هَجرتهم مِن أرضهم العودة إليها بقانون تعسفي سافر لا يمت للمنطق بصلة.

لمن لا يدرك ما يجول في ذهن الحكومة الإسرائيلية، عليه أن يعي أن المؤسسة الإسرائيلية وصلت إلى مرحلة لا تأخذ بالحسبان أي دولة أو أي مؤسسة عالمية، فهي اليوم تدير أمورها الخاصة كيف يحلو لها، خاصة بعد الحالة العبثية التي يمر بها العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص.

فالحالة العبثية التي يمر بها العالم، جعلت من المؤسسة الإسرائيلية دكتاتورية انتقائية تحلل وتحرم ما تشاء بشكل نسبي لكيانها الصهيوني دون الالتفات لأي قومية أخرى. والمصادقة على "قانون القومية" الجديد سيكون آخر مسمار في نعش "الديمقراطية الإسرائيلية" المزعومة.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط