العلاقة بين ستيف هوكينغ وريم بنا

نحتفل على مدار العام بعشرات المناسبات الدينية والوطنية والقومية، نطلق شعارات كبيرة مثل آذار شهر الأرض والمرأة، يوم الأم ويوم المسكن ويوم الشجرة وغيرها من الأيام، ويصلنا عشرات الأدعية على حسابات الفيسبوك والواتسآب، ولكن يبدو أننا صرنا بحاجة إلى يوم الإنسان، فالشعارات الكبيرة جدًا تضخّمت على حساب الإنسان فينا.

القومية أو الوطنية والانتماء الديني والثورية ومشاعر الأمومة والأبوة وبر الوالدين وغيرها تتحول إلى كلاشيهات فارغة من مضمونها وعقيمة إذا فقدت عمقها وبعدها الإنساني.

فالإنسانية ليست باتجاه واحد، والإنسان ليس فقط من يؤمن بمعتقدك وبأيديولوجيتك، الإنسان ليس أمّك وابنك أنت فقط، بل أمهات وأبناء الآخرين أيضًا.

لا مصداقية لإنسانيتك إذا كنت تتألم فقط لمن يخصّك بقربى دم، فالحيوانات أيضا تتألم على أبنائها، أو أن تتألم فقط لمن يخصّك في قربى فكرية وعقائدية، وتستهتر بآلام الآخرين، فهذا يعني أن إنسانيتك ضيقة جدًا.

قبل أيام رحل عالم دولي كبير هو ستيف هوكينغ، مهما كان معتقده فهو عالم ومفكّر كبير وطرح نظريات كونية، ووضع نظريات أبهرت المجتمع العلمي كله. قد تكون صحيحة وقد يثبت خطأها بعد عقود. ولكن بعض الناس الذين لا يعرفون شيئًا عن هوكينغ أو عن نظرياته وهذا ليس مطلوبًا منهم أصلا، راحوا يناقشون إذا يصحّ الترحُّم على هوكينغ أم لا، وعملوا منها قضية جدالية، ولو أن هوكنيغ علم بهذا قبل موته لضحك كثيرًا.

يا أخي من طلب منك الترحم عليه! وهل تعتقد أن الله سبحانه وتعالى ينتظر منك مصادقة ليرحم أو لا يرحم هذا أو ذاك! لماذا إقحام قضايا مثل هذه في نقاشنا اليومي لا تقدم ولا تؤخر ولا تفيد بشيء!

كان متفهّمًا للألم الفلسطيني وأدان الاحتلال. هذا موقف كبير من مفكر له وزنه على مستوى العالم. لا تهمّني معتقداته الدينية أو اللادينية، فحسابه هذا عند رب العالمين. وإذا كان له خلاف بهذا فهو ليس مع الناس بل مع الخالق، ولا يفيدنا بشيء مثل هذا النقاش سوى أنه يسيء لإنسان تعاطف مع شعبنا، وبالتالي قد تستغل هذه الإساءة ضد شعبنا، فكل كلمة نتفوه بها بلا حساب باتت محسوبة علينا.

وإذا كان الحديث عن هوكينغ بهذه الصورة مستنكرًا، فهناك الوجه الآخر لهذا العملة، وهم أولئك الذين شمِتوا برحيل فنانة كبيرة في فنها وإنسانيتها، قاومت المرض تسع سنوات، وهذا لمجرد أنها أيّدت ثورة الشعب السوري ضد النظام الحاكم.

نعم لقد سُرقت الثورة في سوريا، سرقتها الثورات المضادة، وهذا معروف، سرقتها الأنظمة التي خافت من وصول الربيع العربي إليها، وعلى رأسها السعودية مدعومة من الإمارات وأمريكا وأنظمة عربية أخرى. ولكن سرقة الثورة لا تعني أن أسباب اشتعالها زالت، أو أن اشتعالها كان خطأ، أو أن من أيّدها أيّد السعودية وداعش.

المرحومة ريم بنا مثل أكثرية أبناء الأمة العربية تحمّست للثورات بما في ذلك للثورة السورية، وهذه تحوّلت إلى موضوع خلافي لدى الأمة كلها بعد سرقتها والدمار الذي حل مكانها بسبب تعنت النظام منذ البداية، وبنفس الوقت بسبب التدخل التخريبي الأجنبي.

المخجل أن نجد من يشمت ويكتب عبارات غير لائقة بحق الفنانة ذات النفس الكبيرة، هؤلاء المتعصبون سواء كانوا من فلسطينيي الداخل، أو من الضفة الغربية، أو من جيش الإنترنت الأسدي. هؤلاء هم الوجه الآخر للعملة التي تُحرّم الترحُّم على ستيف هوكينغ. نفس المبدأ الأصولي الأعمى هنا وهناك. هذا من منطلق تعصّب ديني ضيق وذاك من منطلق تعصب حزبي أضيق.

الوطنية ليست حكرًا على حزب أو فئة، بل هي لكل أطياف المجتمع، وإلا صار الوطن سجنًا وليس وطنا لأحد. الوطن الذي يتحول إلى لون واحد وصوت واحد هو وطن مريض، على شاكلة الدكتاتوريات الفاشلة.

يحق لك أن تناقش موقفًا وأن تعترض عليه، فقد تكون مصيبًا وغيرك مخطئ، ولكن قد يكون العكس أيضًا.

ولكن الـمهم أنه يجب احترام الإنسان كإنسان أولا، والجريمة الكبرى هي الاستهتار بحياة الإنسان وحقّه بحياة كريمة وحرة في وطنه، بل وقتله معنويًا وحتى جسديًا إذا ما طالب بحقّه، والتمثيل بجثته بعد وفاته.

مع أهمية مناسباتنا الوطنية وضرورة التمسك بها وترسيخها والإبداع في طُرق إحيائها، إلا أن الإنسانية هي الجوهر الذي بات ينقصنا، وهي الحلقة الأضعف التي بات اختراقنا وتدميرنا يجري بسهولة من خلالها.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط