حماية الغرباء حق وليس مِنّة

 

أنا لا أكره الغرباء، وأحاول مساعدتهم إذا استطعت، بغض النظر من أين أتى هذا الغريب، فهذا حق أخلاقي وقانوني له وليس منة من أحد.

قد يكون الغريب صوماليًا أو إريتريًا أو سودانيًا وربما من بلد لم أسمع به ولا أستطيع تحديد موقعه على الخارطة، ولكنه إنسان، لا أعرف اسمه ولا ديانته ولا أريد أن أعرف. قد يكون مسيحيًا ولكنه تظاهر بأنه مسلم بين المسلمين، وقد يكون مسلمًا أخفى ذلك عن المسيحيين أو اليهود، قد يكون على درجة بسيطة من الثقافة، وقد يكون ذا ثقافة واسعة، قد يكون ذا أخلاق رفيعة وقد يكون مستهترًا ووضيعًا، قد يكون أسمر البشرة أو أشد سمرة، وقد يكون فاتح البشرة وأشقر، ولكن الأهم من كل هذا أنه إنسان، له مشاعره وكرامته وحرمته، والواجب الإنساني الأول منحه الشعور بالأمن والأمان، والتخفيف عنه وعدم زيادة همّه وقلقه همًا وقلقًا وخوفًا.

يدور سجال في إسرائيل حول طرد الأجانب، وسجنهم، وأقر قانون بتخيير حوالي ثلاثين ألفًا منهم بين العودة إلى بلدانهم أو اختيار طرف ثالث حتى آخر شهر آذار، والمقصود بالأجانب أولئك المساكين الهاربين من أوطانهم خوفًا على أرواحهم، فبحثوا عن مكان يلوذون إليه من موت وجوع وخوف، وإلا لما خاطروا بقطع الفيافي والبحار والغابات في الليل والنهار، يتعرضون خلالها لسلب ونهب واعتداءات على أعراضهم وحتى قتلهم.

لقد كشّر اليمين الفاشي في إسرائيل عن أنيابه، وصار يزايد في الموقف المتطرف من الأجانب، وأظهروا كما لو أن جنوب تل أبيب صار منطقة محتلة وخطيرة جدًا، وصاروا يزايدون على بعضهم بالتعبير عن كراهية هذا الأجنبي المسكين، واستغلوا حادثة سرقة أو اعتداء على منزل أو حتى اعتداء جنسيًا للتحريض على كل هؤلاء، وهي حوادث أقل بكثير مما يحدث في الواقع في كل أنحاء البلاد من عنف وقتل وسرقات وإطلاق نار.

ثم منذ متى يؤخذ آلاف الأبرياء بجريرة مجرم واحد، وبأي نظام هذا! سوى بالأنظمة المجرمة الدكتاتورية والفاشية وحتى النازية. بلا شك أن الغرباء يرفضون تصرف هذا الأحمق و ذاك من بينهم، ويعرفون خطورته عليهم، وبأنه قد يدمغهم كلهم بالعمل المشين، وقد يقومون هم بأنفسهم بمعاقبته عقابًا شديدًا فيما لو أتيح لهم ذلك، فهم يحاولون دائمًا أن يظهروا سلميتهم وبأنهم لا يطلبون سوى الأمن، ولا يريدون سوى العمل والمأوى كي لا يكونوا عالة على أحد.

ما أقسى أن تكون غريبًا في بلد يهددك كل يوم في الصباح والمساء بالترحيل إلى مصير مجهول.

طرد الغرباء طالبي اللجوء هو جريمة بحق الإنسانية ولا يتفق مع القوانين الدولية التي تتيح للإنسان اللجوء والاحتماء بدولة أخرى لينجو من خطر موت أو جوع أو عدوان.

ما من شعب إلا مر في زمن ما بمثل هذه المحن سواء بسبب كارثة طبيعية مدمرة، أو نتيجة حروب أو اضطهاد غير محتمل لمختلف الأسباب، وبلا شك أن اليهود والفلسطينيين والسوريين والعراقيين والأكراد واليمنيين وغيرهم عرفوا ويعرفون في أزمنة مختلفة هذا على جلودهم.

نحن كفلسطينيين نعرف معاناة معظم أبناء شعبنا مع اللجوء الذي ما زالت تداعياته مستمرة داخل وخارج الوطن حنى يومنا.

ونعرف معاناة اللاجئين من إخواننا السوريين وغيرهم، ونعرف الظروف التي دفعتهم لترك بلدانهم بحثًا عن الأمن.

هاجر أوائل المسلمين من الصحابة إلى النجاشي ملك الحبشة، فمنحهم الأمن من ظلم أقربائهم من قريش.

ونجد شعرًا مغنى في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم يصفه بأنه عونٌ للغريب.

أحمد يا حبيبي يا حبيبي سلام عليك يا عون الغريب سلام عليك، وهذا حثٌ لنجدة الغريب.

ويقول زين العابدين علي ابن الحسين:

إن الغريب له حق لغربته -على المقيمين في الأوطان والسكن. لا تنهرنّ غريبًا حال غربته-الدهر ينهره بالذل والمحن.

ولكن هناك غرباء نعم يجب أن يرحلوا، ذلك الأمريكي اليهودي أو الفرنسي أو غيره غير المطارد لا من نازيين ولا من فاشيين، بل أنه يحظى في أمريكا وفرنسا على كل حقوقه ويزيد، وله في أمريكا نفوذ في كل مجالات الحياة، ولكنه يأتي عن سبق إصرار إلى فلسطين لطرد عائلات عربية من بيوتها، أو أنه تاجر عقارات يأتي كمهاجر رغم أنه آمن في بلده ليحصل في فلسطين على قطعة أرض وتسهيلات للاستثمار وإقامة مصنع فوقها ولتشغيل الأيدي العاملة الرخيصة واستغلالها، هؤلاء هم الغرباء الجشعون، الذين يأتون من بلاد وفرّت لهم كل حقوقهم وأمنهم ومساواتهم مثل بقية المواطنين، ولكنهم يأتون إلى فلسطين طمعًا على حساب ابن الوطن الأصلي، وسرقة محاصيله الزراعية واضطهاده والاعتداء عليه، وتحويل وطنه إلى سجن كبير. هؤلاء هم الغرباء الذين يجب أن يرحلوا وليس المساكين الهاربين من الموت. أنا كفلسطيني أعرف ما عاناه شعبي بسبب للجوء، أدعو لعدم ترحيل الغرباء الذين أتوا من أمكنة خطيرة، أدعو لبقائهم حتى يكونوا آمنين إذا ما عادوا إلى أوطانهم، ولا أرى بطردهم سوى عنصرية وتطرف هدفه الكسب السياسي الرخيص وهذا مرفوض ولا يمثلني ولا يمثل أبناء شعبي.

 


تصميم وبرمجة: باسل شليوط