عنصرية إسرائيل إذ تتجرّد

 

لعلّ الأمر الأهم الكامن في ما تُسمّى قضية طالبي اللجوء الأفارقة في إسرائيل، والتي عادت إلى صدارة الأحداث أخيرًا، على خلفية تقارير عن توصّل حكومة بنيامين نتنياهو إلى اتفاقٍ بشأنهم مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يُفترض أن يحلّ مكان خطة طردهم عن بكرة أبيهم، وتجميد تطبيقه، هو كشفها عن النزعات العنصرية المُعششة في أوساط مجتمع دولة الاحتلال بأطيافه كافة، وعن الاستحواذ الديوغرافي المُقترن بغاية الحفاظ على طابعها اليهودي بشكل هوسيّ. 
وفي هذا الشأن، يجدر ذكر أنّ "مركز مساعدة العمال الأجانب" يصدر، منذ تفجّر هذه القضية عام 2012، تقارير دورية، تشمل رصْدًا لمظاهر التحريض العنصري وجرائم الكراهية والتمييز ضد طالبي اللجوء الأفارقة، وتقف وراءها قوى سياسية كثيرة، ولا سيما من اليمين والوسط، وعدد من وسائل الإعلام والصحافيين، وأوساط من الجهاز القضائي، ورؤساء الحكم المحلي، ومجموعة من الحاخامات ورجال الدين اليهود، فضلًا عن جهات مُتعدّدة من الرأي العام. وهؤلاء جميعًا يتعاونون فيما بينهم، ويتعاملون مع اللاجئين من أفريقيا كما لو أنهم حيوانات، لمجرّد كونهم "غير يهود". 
وتؤكّد هذه التقارير أن إسرائيل بزّت قريناتها من دول الغرب التي يحلـو لها أن تتشبّه بها صباح مساء، في كل ما يتعلق بالتعامل مع اللاجئين الباحثين عن عمل. فبينما تطرد هذه الدول (من دون أن تنجح دائمًا في ذلك) أفارقةً، تم رفض طلبهم الحصول على ملجأ فيها، فقط بعد إجراءٍ قانوني شفّاف، يكون في بعضها مصحوبًا بمساعدة قانونية، تموّلها الدولة المضيفة، فإن إسرائيل تطردهم من دون أن تفحص نهائيًا طلبات لجوئهم، بما يتعارض مع نصوص معاهدة اللاجئين الدولية الموقعة عليها. 
وتلاحظ أن إسرائيل أمست الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض أن تمنح مكانة لاجئ لأيٍّ كان، كما أنها غير مستعدة على الإطلاق لتحديد أي سقفٍ يتعلق بعدد اللاجئين الذين يمكنهم العيش فيها. وهي ترفض أن تتعاون مع أي جهةٍ من أجل حل مشكلة هؤلاء اللاجئين، وكل ما تقترحه على دولهم الأصلية أن تُعيد اللاجئين إليها فقط. 
واللغة التي يستخدمها صنّاع القرار، لدى الحديث عن هؤلاء، تنزع عنهم إنسانيتهم وتصوِّرُهم تهديدا. ويُوصف هؤلاء الناس الذين لاذوا بالفرار من الإبادة في إقليم دارفور في السودان، أو من الخدمة العسكرية في ظروف أشبه بالعبودية في إريتريا، بأنهم "غزاة" و"أعداء" و"سرطان" و"قنبلة موقوتة" و"تهديد وجودي". 
ويتسلّح التحريض عليهم الذي يؤججه المسؤولون ووسائل الإعلام وأوساط عديدة أخرى، بخمسة ادعاءات مركزية، الرئيسي بينها أنهم ليسوا لاجئين، ومن ثم ترد باقي الادعاءات وفحواها أنهم مجرمون، ومصدرٌ لنشر الأوبئة والأمراض، وتهديد ديمغرافي، وتهديد أمني. 
يجب التنويه هنا أن استعمال مُصطلح "متسللين" الذي استخدم في خمسينيات القرن العشرين الفائت لتوصيف الفدائيين الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات مسلحة داخل دولة الاحتلال، وخلعه على هؤلاء اللاجئين، يصمهم بطابع التهديد الأمني. وثمّة مصطلح آخر يُستخدم في وصفهم، "ماكثون غير قانونيين"، ويرتبط أيضًا بالدخول والتسلل غير القانوني من جانب فلسطينيين إلى داخل الخط الأخضر. 
وتقترن الحملة على اللاجئين الأفارقـة بسيلٍ لا ينقطع من الافتراءات، منها أن عددهم أكبر كثيرًا من المعطيات التي يتم نشرهـا رسميًا، وأنهم مجموعة خطرة غزت دولة الاحتلال، وتهدّد بالقضاء على المشروع الصهيوني، واحتمالات تعاونها مع عناصر "إرهابية" كبيرة للغاية. ولذا فإنها تشكل "قنبلة موقوتة"، لا بُد من أن تنفجر في قادم الأيام. أمّا الافتـراء الأبرز، والذي يتم اللجوء إليه أكثر شيء، فهو أن اللاجئين مسلمون في معظمهم. 
الواضح من هذا كله أن ثمة استخدامًا للادعاءات نفسها التي استخدمت ضد اللاجئين الفلسطينيين، لكنه في الوقت عينه ينّم عن مبلغ انعدام أي حساسيةٍ أو أي "اضطرابٍ وجداني" تجاه كل مسألة اللجوء الإنساني، وذلك في وقت تفتح فيه إسرائيل ذراعيها لاستقبال واستقدام أي مهاجـر إليها، بشرط أن يكون يهوديـًا!

(العربي الجديد)

 


تصميم وبرمجة: باسل شليوط