حرب إسرائيل على "النقب الجامح"

أبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية، بشكل متزامن في الأيام الماضية، مقاطع فيديو ظهر في إحداها شبان عرب يطلقون النار أثناء إحضار عروس، وفي مقطع فيديو آخر ظهر شبان يتشاجرون في طريق رئيسي وعام، وقد قادوا سياراتهم وركنوها بصورة من شأنها أن تثير الفزع لدى المارين في المكان.

وكان الأمر اللافت في تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية لهذه الأحداث، وهي أحداث خطيرة تنطوي على استخدام السلاح (وهو غير مرخص بالتأكيد) وعلى استباحة الحيز العام للقيام بأعمال مخلة بالأمن العام، أنها تغطية على خلفية قومية عنصرية، لم تتناول الضالعين في إطلاق النار أو الشجار، وإنما تناولت صورة المواطنين العرب في النقب، وصدرت عناوين مثل 'الجنوب الجامح' و'مفترق الرعب'. كذلك ربطت التغطية الإعلامية الحدثين مع بعضهما، من أجل الإمعان في التحريض.

لكن مثل هذه الأحداث، بل وأخطر منها بكثير، تقع يوميا. ونحن نقرأ ونسمع ونشاهد في الصحافة العبرية التقارير حول شجارات في الشارع اليهودي. لكن التغطية في هذه الحالات تكون عادية ومن دون تهويل، كما أن أفراد شرطة معدودين يتدخلون بسرعة، وينهون الحدث ويعتقلون الضالعين فيه، وتجرى التحقيقات اللازمة. لكن هذا لم يحدث في حالة المواطنين العرب في الحدثين المذكورين أعلاه ولا في أحداث كثيرة غيرها، وإنما تقوم الشرطة، بقوات مدججة ومؤللة كبيرة ووحدات خاصة، يوصف أفرادها بـ'المقاتلين' وليس أفراد شرطة، بمداهمة البلدات العربية في النقب، المعترف بها والمسلوبة الاعتراف، وتنفذ حملة اعتقالات تحاكي الحملات الأمنية، لتوحي للإسرائيليين بأن التعامل مع العرب في النقب أمني صرف.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل سعى وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، إلى قيادة جوقة التحريض ضد المواطنين العرب في النقب، متجاهلا خصوصا الأوضاع المأساوية في القرى المسلوبة الاعتراف وسياسة حكومات إسرائيل العنصرية تجاههم. واعتبر إردان، خلال اجتماع مع ضباط شرطة ورؤساء سلطات محلية في بئر السبع، أمس الثلاثاء، أنه 'يوجد هنا أكثر من ربع مليون إنسان (عربي)، وقد وُلدوا في عائلات يوجد فيها تعدد الزوجات. وعشرات الأولاد الذين ليس لديهم ما يخسرونه، والشرطة لا تردعهم لأنهم لا يخافون من الدخول للسجن'.

وأعلن إردان أنه قرر زيادة تطبيق القانون في النقب، ومن خلال عدة خطوات، بينها نشر مئات من أفراد حرس الحدود والشرطة في شوارع الجنوب 'وعند مداخل البلدات البدوية في النقب'، وإقامة مركز للشرطة الإسرائيلية في عرعرة النقب، ودفع مشروع قانون يقضي بفرض عقوبة السجن لخمس سنوات على من يطلق النار في الأعراس. وتفاخر إردان، بلهجة عنصرية ترانسفيرية بأن 'تطبيق القانون تعزز هنا في السنوات الأخيرة. وتوجد زيادة في هدم المباني غير القانونية، وهذا يدل على وجود حضور شُرطي أكبر وتطبيق قانون أكبر بكثير'.

وبهذا ينحصر دور إردان، كوزير للبوليس، وكذلك دور حكومات إسرائيل تجاه العرب: اقتلاع وتهجير وإفقار وهدم المجتمع العربي بعد التحريض ضده. دولة إسرائيل تتآمر على نشر السلاح غير المرخص في المجتمع العربي. والمعطيات حول ذلك رهيبة. وبالتالي، فإن جرائم القتل داخل المجتمع العربي كثيرة، وأعلى من نسبتهم السكانية بكثير. والأنكى من ذلك أن بوليس إسرائيل لا يكلف نفسه وسع حل هذه الجرائم والوصول إلى الجناة ومحاكمتهم. بينما قفز إردان إلى بئر السبع، أمس، فقط لأن إطلاق النار والشجار خرجا من حيز القرى العربية.

والضجة التي تفتعلها إسرائيل بأذرعها المختلفة، وخاصة الإعلامية، لن تتوقف لأنها تخدم أجندة هدم البيوت وبناء المستوطنات في النقب ومواصلة سياسة التمييز العنصري. وهي تريد أن تقنع حتى العرب في الداخل بأن العرب في النقب بحاجة إلى 'تربية'. وهذا الأمر يحتاج إلى وقفة موحدة من جانب القوى العربية في الداخل من أجل صد هذه الهجمة، أو على الأقل مساندة العرب في النقب في الصمود أمامها.

صوتنا خافت في هذا المجال، ويجب أن يعلو أكثر.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط