مخطّط الضّم.. قانون القوميّة من زاوية أخرى.

يبدأ العمل الصحيح بالتشخيص الصحيح. فالتشخيص الخاطئ، أو المنقوص، يعمّق الأزمة ويزيد من تعقيدها، فيكون مثل دواء غير مناسب. هذا الأمر ينطبق على مواجهة 'قانون القوميّة'، كتحدٍّ سياسيّ هامّ، حتى الآن. وإن كان السؤال: هل شخّصنا 'قانون القومية' بالشكل الصحيح؟ هل فهمنا دوافعه الفعليّة، الظاهرة منها والخفية؟ هل شخّصنا مخاطره الحقيقيّة على القضية الفلسطينية، كلّها، وحدّدناه بدقة؟ فالجواب، باختصار، هو: لا. في أفضل الأحوال كان التشخيص ناقصًا لمسائل بالغة الأهميّة.

يمكننا النظر إلى 'قانون القوميّة' من زاوية 'المواطنة'، وتشخيص تبعاته الخطيرة، فعلًا، على حقوق فلسطينيي الداخل، من حيث تكرّيسه الدستوري الطابع لكلّ السياسات التهويدية القائمة في مجال توزيع الموارد والتخطيط والسكن واللغة، وترسيخ التراتبيّة العرقية، وتضييق هامش المناورة القضائي، دون أدنى التزام، ولو كضريبة كلامية، بِقِيَم مثل المساواة وحقوق الإنسان. وهذا كلّه صحيح، لكن بنفس الوقت هذا منظور لـ'قانون القومية' يرى فيه، بالأساس، 'شأنًا داخليًا'، حتى لو أضيفت إلى نداءات وبيانات التنديد مقولاتٌ حول تأثير هذا القانون الاستعماري وإنكاره لحق تقرير المصير للشّعب الفلسطينيّ في وطنه.

ما علينا فعله كي نشخّص القانون كما يجب هو أن ننظر إلى سنّ قانون القوميّة أيضًا من زاوية أخرى، من زاوية مخطّط الحكومة الإسرائيلية لضمّ مناطق ج في الضّفة الغربيّة لإسرائيل، وفرض حلّ الكونفدرالية مع الأردن. كخطوة تشريعية تمكّن هذه الحكومة، التي يلعب قادة المستوطنون فيها، من حزب 'البيت اليهودي' ومن داخل 'الليكود' و'يسرائيل بيتينو' وغيرها، دورًا مركزيًا من التقدّم بخطوات أسرع في هذا الاتجاه.

هناك من تساءل ما هي حاجة إسرائيل لسنّ مثل هذا القانون وهي تمارسه فعليًا في سياساتها الداخلية؟ وما الجديد في القانون؟ الإجابة الأساسية هي شرعنة تنفيذ مخطّط الضمّ. هذا هو السبب في أنّ البند الأول من القانون يتحدّث عن 'أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي'، الأرض وليس الدولة، وفي أنّ القانون خصّص بندًا كاملاً للتأكيد أنّه 'تعتبر الدولة تطوير استيطان يهودي قيمة قومية، وتعمل لأجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته'.

تسعى إسرائيل إلى ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية، من خلال توسيع وتثبيت الاستيطان على الأرض، وفرض أمر واقع يؤدّي إلى انتزاع السيادة والملكية التاريخية الفلسطينية. وقد تصاعدت هذه المساعي في ظل وجود إدارة أميركية حاضنة لحكومة يقف على رأس مؤسساتها نخبة يمينية استيطانية، مخطّط الضّم جزء أساسي من برنامجها السياسي.

فخلال زيارتها للولايات المتّحدة، في شباط الماضي، صرّحت وزيرة القضاء الإسرائيليّة، عن حزب 'البيت اليهوديّ'، أييليت شاكيد 'إدارة ترامب هي أقل الإدارات الأميركية انتقادًا للسياسات الإسرائيلية ما منح الحكومة الإسرائيلية الشعور بأن الوقت مناسب للاستفادة القصوى من الوضع'، وأنّ هدفها هو 'جعل المحكمة العليا الإسرائيلية أكثر تحفظًا و’أقل نشاطًا’ فيما يخص قضايا الفلسطينيين'، وقالت في صريح العبارة 'ما سيحدث هو تطبيق القانون الإسرائيلي في المنطقة C، وسوف تكون المناطق A وB ، جزءًا من اتحاد كونفدرالي مع الأردن وغزة، أعتقد أن أي حل اليوم يحتاج إلى أن يكون جزءًا من الحلول الإقليمية، إنها ليست مشكلة إسرائيل فقط'.

وفي ذات الإطار، كانت لجنة حكومية إسرائيلية، تترأسها شاكيد نفسها، قد وافقت على مشروع قانون يهدف إلى توسيع نطاق اختصاص المحاكم المركزية الإسرائيلية على جزء من الضفة الغربية تود أن تضمه إلى اسرائيل. وفي حال أصبح هذا التشريع قانونًا سيمنع السلطة الفلسطينية من تقديم التماس إلى المحكمة العليا الرئيسية حول النزاعات على الأراضي مع المستوطنات وهذا سيضعف الدور الفلسطيني وقضيته ويعزز السيطرة الإسرائيلية على الأرض تمامًا.

ليس مخطّط الضمّ سرًا مكنونًا، فهذا هو البرنامج السياسيّ المعلن لحزب 'البيت اليهودي'.

المناطق ج، التي تسعى إسرائيل إلى ضمّها، وللدقة نهبها، عبر 'قانون القوميّة' والسياسات الاستعماريّة، معتمدة على أنّ 'العالم سيعتاد كما اعتادوا على ضمّ أجزاء من القدس والجولان' (نفتالي بينيت)، ليست هذه المناطق تلة صغيرة قرب الحدود، بل هي 61٪ من مساحة الضفة الغربية المحتلة عام 1967، واقعة للآن تحت السيطرة الإسرائيليّة الكاملة، تمارس فيها إسرائيل التطهير العرقيّ والاستيطان وهدم البيوت وقلع الأشجار ومصادرة الأراضي، هي مناطق ذات أهمية إستراتيجيّة كبيرة جدًا، مناطق غنية بالموارد الطبيعية فيها الزراعة والماء واحتياطات الأراضي للبناء والتنمية، ومن دونها لن تكون دولة فلسطينية.

من هذه الزاوية، يأتي 'قانون القومية' ضمن خطة إسرائيلية-أميركيّة لتصفية القضية الفلسطينية: لا قدس، لا عودة، لا سيادة، لا دولة. في أحسن الأحوال، تحمل المقترحات الأميركيّة-الإسرائيلية أن يكون تكون المناطق أ و ب في الضفة الغربية، دون القدس، جزءًا من كونفدرالية مع الأردن، بحيث تكون الحدود تحت الرعاية الأمنية الأردنية، ودون قطاع غزّة الذي سينتقل إلى الرعاية الأمنية المصرية.

الاستسهال في الطرح الأميركي والثقة الإسرائيلية في تداول مخططات سياسية أمنية جوهرية لمستقبل إسرائيل يعود إلى الوضع الإقليمي العربي الرسمي المطبّع، والذي لم يعد يشكّل عائقا أمام عنجهية ترامب وهوس إسرائيل في السيطرة والتلاعب بحقّ تقرير الشعب الفلسطيني على أرضه.

على هذا الأساس، يجب أن يتحوّل النضال ضد مخطّط الضمّ مدخلاً رئيسيًا لمناهضة قانون القومية الإسرائيلي، ولكل الخطوات السياسية النضالية الفلسطينية، الشعبية والمدنية والدبلوماسية، المناهضة للاحتلال، والخطوات الدوليّة المناصرة للحقوق الفلسطينية، وأن تكون هناك مساعٍ جادّة لاستباق تشريعات أخرى تسرق هذا الجزء من الوطن الفلسطينيّ.

قد تكون تسمية ج أو C تسميات عدمية باردة، لا تحمل ما تحمله القدس، مثلاً، في وجداننا من معنى، لكنها على أرض الواقع قرى تصاغ الآن معانيها في الوجدان: خان الأحمر والولجة ودوز وكفر قدوم والأغوار، فلنستبق نكبتها.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط