المشتركة إرادة... عز الدين بدران

يكثر الحديث عن الفرصة الثانية للانتخابات الإسرائيلية ومشتقاتها المختلفة، ومن ضمنها الفرصة لإعادة تشكيل القائمة المشتركة. تكون قائمة مشتركة أو لا تكون، هو سؤال ومطلب.

لا أريد الحديث عن أهمية وجود المشتركة كمشروع سياسي، بخلاف تعامل البعض معها سابقا كمشروع كراسي، وبخلاف الجهد الذي لم يصب بشكل جيد وفي الاتجاه الصحيح لكي تتحول فعلا إلى مشروع سياسي، رغم أن هذا هو الجوهر والأساس لقوتها السياسية ولمصداقيتها ولإمكانية تطورها، حتى لو لم يكن هو السبب وراء إقامتها. فكثيرا ما تتخطى الأمور وتتجاوز وترتقي الأسباب التي أدت إليها، بالذات عندما ندرك أن ما بدأناه كاضطرار انتخابي لا يصلح لتجاوز التحديات السياسية، وأن هذا الاضطرار مجبر أن يحمل مضمونا سياسيا لكي يتغلب على المعيقات التي تحيط به، والتي بمجملها معيقات انتهازية وأخرى استعراضية وأخرى فئوية، وأن الناس بالنهاية، حتى كوادر الأحزاب، تحتاج إلى أن تشعر بالمصداقية السياسية الحقيقية للمشتركة، وإلا فإنها لن تعدو أن تكون حدثًا طارئًا يبث اليأس وقلة الحيلة بعد فشله، أكثر بكثير مما يبث القوة والأمل بمجرد إقامته.

التمايز بين مركبات المشتركة اتجاه المكانة المواطنية السياسية للعرب الفلسطينيين وعلاقتهم بالمؤسسة الصهيونية والمواطنين اليهود هو معيق مركزي لتطويرها، وإذا كنا صادقين في مساعي تقويتها وتعزيزعا لا بد أن نسعى إلى مشتركة ملتصقة بهموم الناس وملتصقة بمشروع سياسي متفق عليه يعمل ضمن قواعد لعبة متفق عليها أيضا، بالتالي يميز التجمع بين الوزن البرلماني والوزن السياسي، ويعتقد أنه من دون وزن سياسي يتعدى عملية التنسيق، والعمل البرلماني على القاسم المشترك الأدنى (يمكن العمل على القاسم المشترك الأدنى دون الحاجة للمشتركة أصلا، نحن لا نحتاج للمشتركة لكي نؤيد بعض قوانين ونعارض بعضها، ولكي نطالب بنفس المطالب والخدمات برلمانيا، هذا الوضع كان قائما قبل المشتركة، وكان حينها أيضا لكل حزب رؤيته وخطابه الإستراتيجي) لن تصل المشتركة حتى لوزنها البرلماني الممكن بحده الأقصى. مما يعني أن الفكر السياسي، والبرنامج السياسي المشترك، وتكثيف النقاش حول مفهوم الشراكة وحدودها، ومفهوم تبعيتنا لليسار الصهيوني وعلاقتنا بالشارع الإسرائيلي، وبأولوية تنظيم الفلسطينيين لقوة سياسية مؤثرة.

هذا التسييس للمشتركة هو الإمكانية الوحيدة التي تترجم مقولة "إرادة شعب" أي إرادة الفلسطينيين كجزء من الشعب الفلسطيني المواجه برمته للمشروع الصهيوني، وهذا التسييس للمشتركة هو الإمكانية والرادع الوحيد لكل التعامل الانتهازي معها، الذي رصدناه ممن انتقدوا المشتركة، ونفهمه الآن لأنهم لم ينتقدوها من باب تسييسها، بل من باب تسفيهها.

إن مقولة "إرادة شعب" لا يمكنها إلا أن تكون إرادة سياسية، أي إرادة أحزاب وطنية فاعلة على مدار السنين تمثل هذا الشعب، أحزاب تحمل مشاريع ولها أجنداتها ومواقفها السياسية والوطنية. من يريد أن يعطي مصداقية لإرادة الشعب، يقوي تمثيله السياسي، الإرادة تمثل عبر تنظيمات وطنية، وليس عبر مستقلين موسميين، يظنون أنهم فوق التمثيل السياسي الذي وصلنا إليه بالتفاعل مع الناس والتواصل معها والتواجد بينها، وبناء الفروع في الجامعات، مهما كان هذا التمثيل ضعيفا، إلا أنه الوحيد الذي يحترم بل ويدرك ماذا نعني بـ"إرادة شعب".

إرادة شعب لا تعني إرادة أفراد، مهما علا شأنهم، والشعب ليس عبارة عن مجموعة أفراد، وإلا فإننا نكون بذلك نحطم هذا الشعب ونقسمه، ولسنا نمثل إرادته. تستطيع أن تدعي أنك مثقف، ثقافتك هذه حري بها أن تحسن تمثيلك أنت كفرد، بالذات أنك تعترف أنك مستقل، تلك الاستقلالية في السياسة تعني أنك مستقل عن أي تمثيل جماعي وأنك حقيقة لا تمثل أحدا سوى نفسك.

الإصغاء لنبض الشارع يعني تقوية السياسة بتقوية الأحزاب والتيارات السياسية التاريخية لهذا الشعب، ولا يعني ذلك الشعبوية أو الشللية، غضب الشارع من الأحزاب ليس لأن الشارع لا يريد الأحزاب، بل لأنه يريدها قوية. بالتالي فإن إضعافها عن طريق شخصيات فردية، ليس بمطلب الشارع، بل هو مطلب هؤلاء الأفراد.

التوجه بأن يتم اختيار القائمة المشتركة وتطعيم صفوفها بشخصيات تمثيلية وذات شعبية ونجومية عالية لكي تكون القائمة أكثر تمثلية وأكثر شعبية، هو مطلب أقل ما يقال عنه أنه يكشف ضعف وزن العمل السياسي بشكل عام وضعف عمل الأحزاب بشكل خاص.

فلو كان للعمل السياسي وزنا، على الأقل بعيون من يطالبون الأحزاب بالإصغاء لنبض الشارع، والانفتاح على الناس، فمن يمنعهم من الانخراط هم أنفسهم في العمل الحزبي، ومتى أقفلت الأحزاب في وجوههم كأعضاء؟ أم أن الانفتاح يعني أن تنفتح لك الأحزاب ليتكشف لك كرسي في الكنيست فقط؟ هل دخل أعضاء الكنيست الحاليين لأحزابهم كأعضاء كنيست أم أنه أسسوا تلك الأحزاب أو تربوا وترعرعوا فيها وفي كوادرها وانخرطوا في عملها الطلابي والميداني وعاركوا هيئاتها وكان تمثيله البرلماني جزءا من حياة سياسية كاملة؟ وهل السياسة وتطوير العمل السياسي يعني فقط التمثيل البرلماني؟

وإذا وجه هؤلاء نقدا لضعف التواجد الميداني للأحزاب، فلماذا لا يترجمون هم إرادة الشعب بالانخراط في العمل الميداني؟ أم أن إرادة الشعب موجودة فقط في البرلمان الصهيوني؟

من جهة ثانية، علينا فعلا أن نصغي لنبض الشارع، لكن دون غايات ومنافع شخصية، وهذا الإصغاء يجبرنا أن نعترف بتردي علاقة الأحزاب بالشارع وبجمهورها وبضعف قدرتها على تعزيز كوادرها وتطوير قيادات جديدة.

وهذا نعم يحتاج إلى مراجعة نقدية حقيقية، وضخ كوادر جديدة شابة، والاستعانة بمختصين ومستشاري تنظيم لسد هذه الفجوة وهذا القصور الحزبي، من يريد "المشتركة"، ليبحث عن تعزيز دور الأحزاب أو إيجاد بديل حزبي، لكن بكل تأكيد الموضوع ليس موضوع نجوم ولا نجومية.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط