الانتخابات الإسرائيلية: فوز أكيد لليمين وخسارة ممكنة لنتنياهو

د. جمال زحالقة

بعد حل الكنيست لنفسها صباح الأربعاء 23/12، تذهب إسرائيل إلى انتخابات رابعة خلال سنتين، ما يمثّل حالة من عدم الاستقرار السياسي، تختلط بأزمات اقتصادية وصحية وقضائية غير مسبوقة.

جاء تبكير الانتخابات بعد فشل محاولات الوساطة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن، بيني غانتس، حيث أصرّ نتنياهو على عدم تنفيذ التناوب بينهما في موعده المحدد في نوفمبر المقبل، وطلب تمديد مدة نصف سنة إضافية، واشتراطه أن تكون له الكلمة الأخيرة، بكل ما يتعلّق بالتعيينات في الجهاز القضائي، كي يضمن أن تكون في صالحه، خاصة أنه يتعرّض إلى محاكمة بتهم فساد قد تودي به إلى السجن.

ستجري الانتخابات للكنيست الإسرائيلي يوم 23/3/2021، وليس من المؤكّد أنّها ستنهي أزمة الحكم، وعدم القدرة على تشكيل حكومة مستقرّة. هي قد تأتي بنتائج مثل سابقاتها، ولن يستطيع أحد الحصول على أغلبية واضحة، تضمن له كرسي رئاسة الوزراء. ووصل الأمر ببعض المعلّقين إلى القول بأن احتمال انتخابات خامسة ليس بالأمر المستبعد.

من الناحية السياسية، نتيجة الانتخابات معروفة سلفًا وفوز اليمين بأغلبية ساحقة أمر مؤكّد. وإذا أخذنا الصورة العامّة لنتائج كل الاستطلاعات، فإن مجمل المقاعد، التي تحصل عليها أحزاب تعرّف نفسها بأنها يمينية صرفة، يصل إلى حوالي 80 نائبًا، بعد أن كانت في الانتخابات الأخيرة 65 مقعدًا (ليكود 36، شاس 9، يهدوت هتوراة 7، يمينا 6 ليبرمان 7). ويعود هذا الارتفاع في قوة الأحزاب اليمينية إلى انقسام اليمين بين من يؤيّد نتنياهو ومن يعارضه، حيث تستقطب معارضته أصواتا كثيرة من اليسار والوسط أملًا بإسقاطه، حتى لو كان البديل لا يقل تطرفا عنه، خاصة بعد تكرار فشل التخلص منه عبر أحزاب الوسط واليسار في إسرائيل.

أصبح اليمين الإسرائيلي يمينين: واحد مع نتنياهو والآخر ضده، وهذا هو التطور السياسي الذي سيحكم الانتخابات ونتائجها

لقد فاز اليمين الإسرائيلي بأغلبية في ثلاث معارك انتخابية خلال العامين الماضيين، ولكن انسحاب حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف، الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان، من المعسكر الداعم لنتنياهو، أدّى إلى تقليص هذا المعسكر، وإلى تعثّر محاولات تشكيل حكومة مستقرة. قد تصبح الأمور أصعب بالنسبة لنتنياهو في الانتخابات المقبلة، بعد انشقاق جدعون ساعار، ومعه ثلاثة نوّاب من حزب الليكود، وإقامة حزب جديد هو «أمل جديد» وإعلانه المنافسة على رئاسة الوزراء ورفضه المشاركة في أي حكومة يقودها نتنياهو، وقد تحوّل هذا الحزب فور إقامته إلى المنافس الأقوى لحزب الليكود. بعد أن أضعف ليبرمان معسكر اليمين الداعم لنتنياهو، يأتي جدعون ساعار ليضعفه أكثر باقتناص عدد من المقاعد من حزب الليكود، ما يُضعف حظوظ نتنياهو في تشكيل حكومة، خاصة وان نفتالي بينيت زعيم حزب «يمينا» أبدى رغبة في منافسة نتنياهو وليس بالضرورة الارتماء في حضنه السياسي. لقد أصبح اليمين الإسرائيلي يمينين: يمين مع نتنياهو ويمين ضده، وهذا هو التطور السياسي الأهم، الذي سيحكم الانتخابات ونتائجها، إذ لم يعد نتنياهو، كما كان سابقا، الزعيم الأوحد لليمين.

مع اقتراب موعد تقديم اللوائح الانتخابية في بداية فبراير المقبل، بدأ حراك محموم لتشكيل اصطفافات حزبية للمنافسة على 120 مقعدًا برلمانيّا. من الواضح أن هناك تغييرات وتركيبات حزبية في كل الخريطة السياسية داخل إسرائيل، ومن المتوقّع أن تكون هناك تشكيلات انتخابية جديدة، وقيادات ستذهب وأخرى ستأتي، وأحزاب تختفي وأحزاب تظهر. لكن محصّلة كل هذه التحركات والتكتلات والصراعات، هي إبقاء السياسة الإسرائيلية الرسمية على ما هي عليه، وأي تغيير قد يحصل لن يمس الأمور الجوهرية، بكل ما يخص قضايا الاحتلال والاستيطان وسياسة العدوان.

محور المعركة الانتخابية في إسرائيل، ليس الحاجة إلى سياسة بديلة وجديدة، بل استبدال القيادة، وتغيير نهج إدارة الحكم لا أكثر، مع الإبقاء على مستنقع السياسة القديمة، أو حتى جعلها أكثر تطرفا. النجم الصاعد في إسرائيل هو جدعون ساعار، الذي تحوّل بعد انسحابه من الليكود إلى أكبر منافس لنتنياهو، حيث خاطب الجمهور قائلًا «أطلب من كل من يريد نتنياهو رئيسا للوزراء، ألّا يصوّت لي» ووضع نفسه في صدام رأسًا برأس مع رئيس الحزب، الذي قضى فيه حياته السياسية. ليس عند ساعار أي انتقاد مهم على سياسة نتنياهو «الخارجية» وهو يعتبر أكثر يمينية منه، ومن أكبر داعمي الاستيطان والضم والاحتلال. والنقد الذي وجّهه ساعار لنتنياهو هو فقط في أمور تتعلّق بشخصنة السياسة، واتباع نهج «عبادة الزعيم» والحطّ من دور ومكانة كل من يناقش أو يعارض. وإذ يحاول ساعار استقطاب شخصيات لها رصيد وشعبية إلى حزبه الجديد، يقف له بالمرصاد نفتالي بينيت، الذي يعمل هو أيضًا على توسيع تحالف «يمينا» ليخرج به من دائرة اليمين الديني المتطرف، إلى دوائر أوسع، بادعاء أنه «أشطر» من نتنياهو في إدارة أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية المرتبطة بها. بينيت أيضًا يرشّح نفسه لرئاسة الوزراء، ولكنّه يرفض الالتزام بدخول أو عدم دخول ائتلاف مع نتنياهو، مقابل ساعار الذي أعلن أنه لن يكون مع نتنياهو بأي حال. هكذا يكون لليمين الإسرائيلي ثلاثة مرشحين لرئاسة الحكومة: نتنياهو المتطرف وساعار الأكثر تطرفًا وبينيت الذي يفوقهما تطرفًا.

تدور المعركة الانتخابية الجديدة في ملعب اليمين الإسرائيلي، وفيه سوف تحسم. أما اليسار الصهيوني فلم يعد عنده ملعب بعد اختفاء حزب العمل، الذي لن يخوض الانتخابات كحزب مستقل، لأول مرّة منذ 72 عامًا. بقي في اليسار حزب ميرتس، الذي يحصل في الاستطلاعات على 6 نوّاب في أحسن الأحوال. لقد حصلت أحزاب اليسار الصهيوني أيام «عزّها» على أكثر من ستين عضوًا في الكنيست، وتهبط هذه الأيام لحوالي 12 عضوًا، في حال خاض الانتخابات رون خولدائي العضو السابق في حزب العمل ورئيس بلدية تل أبيب، الذي تمنح الاستطلاعات قائمة برئاسته حوالي 6 أعضاء. لقد أنهى اليسار الصهيوني دوره التاريخي منذ مدة طويلة، وها هو ينهي دوره السياسي ليصبح، كتيار منظّم، على هامش السياسة الإسرائيلية. الأمر البائس والمحزن أن هناك قيادات فلسطينية ما زالت تراهن عليه، وليست واعيه أنّها كمن ينفخ في رماد. مقابل حالة احتدام التنافس على قيادة تيار اليمين الإسرائيلي، وبالتالي قيادة الدولة، وإزاء حالة الضعف والوهن التي يمر بها اليسار الصهيوني، تنكمش قوّة وتأثير تيار الوسط الإسرائيلي، فهو لم يعد ينافس على رئاسة الوزراء، كما فعل في المعارك الانتخابية الثلاث الماضية، ولم يعد قادرًا على المحافظة على قاعدته الانتخابية، التي تسرب حوالي نصفها إلى دعم اليمين المنافس لنتنياهو، أملًا في التخلّص منه ومن حكمه، الذي طال واستمر أكثر من أي رئيس وزراء آخر في تاريخ إسرائيل. الحدث المثير في ساحة الوسط هو انهيار حزب «كحول لافان» الذي يتزعمّه بيني غانتس، فبعد أن كان منافسًا جديًا على رئاسة الوزراء، أصبح بالكاد يمر بنسبة الحسم، وهناك احتمال أن لا يخوض الانتخابات أصلًا. بقي في هذه الساحة حزب «يش عتيد» الذي يرأسه يئير لبيد، وهو يأتي في المكان الثالث في الاستطلاعات بعد حزبي نتنياهو وساعار، ويحصل على عدد محدود من المقاعد وهو بعيد عن تشكيل حالة منافسة جدية على رئاسة الوزراء.

لقد خاض نتنياهو الانتخابات ثلاث مرات ودونالد ترامب «في ظهره» يمنحه الهدايا السياسية ويدعمه في الأوقات الحرجة. وبما أن ترامب سيبقى في السلطة حتى 20/1/2021، فسيحاول نتنياهو استغلال ما تبقى من وقت لتحقيق بعض المكاسب لرفع رصيده في الانتخابات، وبالأخص في مجال التطبيع العربي، الذي ينسبه لنفسه وله وحده دون غيره من القيادات الإسرائيلية. لكن نتنياهو لن يكتفي بتحقيق إنجازات سياسية، إذا أحس بأنه قد يخسر الانتخابات، وقد يقدم على مغامرة عسكرية، فالقضية بالنسبة له مصيرية، فإما مقر رئاسة الوزراء أو غرفة في السجن.

يبدو في الأسبوع الأول للمعركة الانتخابية في إسرائيل أن فوز اليمين مؤكد وخسارة نتنياهو ممكنة. في كل الأحوال لا حاجة لانتظار النتائج حتى نعرف أن الحكومة الإسرائيلية المقبلة لن تكون أقل تطرفًا من سابقاتها. قد يفسد هذا الأمر عادة الانتظار، التي تمارسها القيادة الفلسطينية عشية كل انتخابات إسرائيلية، ولكن أملنا أن يكون الفطام عن الانتظار محفّزًا لحراك يأخذ بالشعب الفلسطيني نحو مواجهة مصيره بالوحدة والنضال والتصدي للاحتلال. فمن الواضح أن إسرائيل الدولة والحكومة والمجتمع، غير ناضجة لأي تسوية، وغير جاهزة لتغيير جواني، يؤدي إلى مثل هذا النضوج. التغيير يمكن أن يأتي فقط بالضغط عليها من الخارج وبالنضال التحرري على ارض فلسطين.

*رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي


تصميم وبرمجة: باسل شليوط