لأي منزلق ينزلقون!

منيب طربيه

إن الانزلاق الذي آلت إليه بعض القيادات في مجتمعنا مدعومين من بعض أبواق السلطة الذين لم نسمع لهم صوت في السابق، ما هو إلا مؤشر خطير يستوجب تحركا سريعا لكتم أصوات النشاز التي تحاول الاصطياد بالمياه العكرة.

إن السيناريو الذي خطط له رئيس حكومة إسرائيل واضح المعالم وخاصة بعد أن فتحت له بعض الشخصيات التي تدعي أنها متجددة في نهجها وفي فكرها، ما هو إلا سيناريو بائس ولن تسعفه بعض أطواق النجاة وذلك لأن شعبنا واع بما يكفي ويعرف كيف يفرق بين القمح والزيوان.

إن المكيدة التي حاولت بعض القيادات إيقاع الحركة الوطنية بها، لم تدم طويلا، فخطيئة التوصية على غانتس ما كانت سوى محاولة لفتح باب للانبطاح أمام مخططات اليمين واليمين المتطرف، فبعد هذا الانزلاق سرعان ما لملمت الحركة الوطنية نفسها وكنست غبار تلك المرحلة البائسة، إلا أنه تبين لاحقا أن بعض ممن يدعون أنهم قيادات شعبنا كانوا ينتظرون اقتناص الفرصة للانبطاح أمام نتنياهو لطمس معالم مشروع فلسطينيي الداخل ومحاولة تحييد المشروع عن مساره لغايات رخيصة لا يستحق شعبنا أن يقع بملذاتها الوهمية والتي لا ترقى لمستوى قضية شعب عانى من مرارة سياسات القمع والتفرقة لسنوات.

جل من لا يخطئ، ففي خضم المعركة أمام نتنياهو، دأبت بعض الشخصيات التركيز على إسقاط نتنياهو، متجاهلة الكثير من الاعتبارات القيمية والتاريخية، فمنهم من جهر بأنه أخطأ ويعمل على إعادة هيبة الحركة الوطنية أمام مشروع الأسرلة البغيض والذي ما زال البعض يعول عليه دون هوادة.

إن الدور الحقيقي للحركة الوطنية هو إعادة الابن الضال إلى رشده وليس مهاجمته، فمن الممكن أن يصبح اكثر ضررا في حال تركنا هذه الحالات دون محاصرتها وإلزامها بالثوابت ومعاقبتها اجتماعيا في حال كررت الانزلاق.

إن ما حدث في الناصرة في الأمس بمحاولة تلميع نتنياهو ومشروعه، لم يكن حدثا عرضيا وإنما استمرارية لنهج انبطاحي رخيص، جميعنا صمتنا عنه ولم نكترث له في بداياته، فطالما ظننا أنها غيمة عابرة، ولكن سرعان ما تبين أنه مشروع ممنهج ومخطط له منذ سنوات والذي ظن البعض أن الظروف سانحة والبيئة حاضنة لمثل هكذا انزلاق.

ولكن بفضل الأشاوس من أبناء الحركة الوطنية والذين رفضوا إلا أن تبقى بلداننا نظيفة من كل من حرض علينا لسنوات.

إن ما قام به من يظن أنه يستطيع تلميع نتنياهو باستقباله في مدينة الناصرة كاستمرار لنهج منصور عباس بمحاولة تبرير الموقف لدعم مجتمعنا العربي ببعض الفتات مقابل هذا الانبطاح، ما هو إلا واهم وهاو لأن شعبنا يعي من له ومن عليه وسيقذف شعبنا هؤلاء، وما قام به أبطال من ابناء شعبنا للتصدي لهذه الزيارة ما هو إلا رد فعل طبيعي لرد الاعتبار ووضع النقاط على الحروف في صد مثل هكذا انتهاكات لحرمة بلادنا من منتهكيه.

أن تقوم شرطة إسرائيل بترسانتها لمحاولة حماية موكب رئيس الحكومة لدخول مدينة الناصرة، يدل بشكل قاطع أن هذه الزيارة غير مرحب بها وغير مرغوب فيها، لأن شعبنا لا يستقبل إلا أحبابه من الشرفاء ولن يقبلوا باستضافة القامع الأكبر لشعبنا رغم أننا شعب مضياف إلا لمثل هذه الشخصيات غير المرغوب بها.

مخطئ من يظن أن التطبيع مع مثل هذه الشخصيات أمر مفروغ منه، ولا يمكن لنا أن نمرر مثل هكذا زيارات استعراضية والتي تحاول التغرير بأبناء شعبنا وللحؤول دون صده وقذفه خارج ديارنا.

إن دورنا الرئيسي هو الحفاظ على هوية شعبنا ومساندته ودعمه للحفاظ على كرامته وشموخه من الهوان الذي يبيته لنا بعض الهواة والمغرر بهم من أبناء شعبنا.

هل فعلا يظن رئيس بلدية الناصرة بأن بيبي نتنياهو الذي أبدع واسترسل بتحريضه على العرب والفلسطينيين على مدار سنوات، سيحضن ويساند أهلنا في الناصرة؟ إن من ظن أن نتنياهو قد تغير وسيغير سياسته، ما هو إلا مخطئ، فتحريض نتنياهو مستمر حتى في عقر دارنا، حيث قام المأفون بالتحريض علينا وعلى القائمة المشتركة في عقر دارنا في بلدية الناصرة.

آن الأوان للتصدي بقوة لكل هذه الظواهر المارقة وغير المسؤولة من تاريخ شعبنا الأبي الذي يرفض الهوان وحاول التصدي بأبنائه لزيارة نتنياهو الاستعراضية والذي يحاول البحث عن طوق نجاة له في الانتخابات المقبلة.

إن مطلب الساعة هو تحشيد الطاقات للتصدي لأشباه القيادات والتشهير بهم وردعهم عن هذا النهج الرخيص.

الاعتذار من شيم الرجال، ولا ضير أن يخرج من أخطأ، بأن يعتذر عن خطأه وأن يأخذ دوره الريادي بالالتزام بالثوابت بعيدا عن المراوغة بأحضان اليمين الذي غرر به وسيودي به إلى الهاوية إن لم يرتدع.

إن هويتنا واضحة ووجهتنا جلية لا تأتأة فيها، فليصطف من خرج عن الإجماع، مع أبناء جلدته وليترك النهج الجديد البائس الذي يتبعه والذي لا يجلب له سوى العار، فالبوصلة واضحة والثوابت كذلك، فلنصطف صفا واحدا في مواجهة سياسة اليمين التي تعتمد على تفرقتنا وشرذمتنا لمصلحة انتخابية آنية ستودي بنا إلى الهلاك.

إن الطبيعي بالأمر هو التصدي لنتنياهو، فلولا ذلك التصدي الذي حدث في الناصرة لوجب علينا إعادة حساباتنا، أضف إلى ذلك أن موكب رئيس الوزراء وحاشيته وحراسه وشرطته انتشرت في شوارع الناصرة لحماية زيارته، لأنهم على قناعة أن هذه الزيارة غير طبيعية ولن تمر مر الكرام، فكم بالحري أبناء جلدتنا، ألا يعون ذلك؟ هم يعون ذلك، ولكن مغلوب على أمرهم، فمن غير الطبيعي أن يقبل رجل عاقل بالغ أن يغوص بالخزي والعار.

ليبقى صوت الحركة الوطنية يصدح في فلك بلادنا وربوعنا وليبقى ذراعه متينا لقذف القاذورات إلى خارج المشهد.

طالما قلنا وما زلنا نقول إن خطاب الأسرلة الذي كان هامشيا سيبقى هامشيا ولا يذكر ما دمنا ملتزمين بالثوابت الوطنية التي تعتبر بوصلتنا التي لا تنازل عنها، سنبقى شوكة في حلق اليمين واليمين المتطرف واليسار الافتراضي.

وسيبقى الهواة من الفطر السياسي غيمة مارقة ولا يمكن لهذا الفطر أن يدوم طويلا ولن يبقى في الوادي إلا حجارته.

وما حدث يجب أن يشكل نقطة تحول فارقة في تاريخ نضال شعبنا ويجب على القوى الفاعلة سياسيا في الداخل الفلسطيني أن تعي أن هذا منزلق خطير ويجب التصدي له بكل القوة ولا يكفي أن نكون عشرات او مئات للتصدي لمثل هذه الزيارات الاستعراضية بل الآلاف لتصل الرسالة واضحة لكل من تسول له نفسه التلاعب بكرامتنا.

ستبقى بلداننا العربية وعلى رأسها الناصرة قلاع وطنية عصية في وجه كل من تسول له نفسه التلاعب بمكانتها وأطباعها وقناعاتها، فانزلاق أي فرد مهما كانت مكانته لا يعني أنه سينجح بالتغرير بأبناء شعبنا الواعين لمثل هذه الخطوات البائسة.

مقالات بقلم منيب طربيه أيضًا | الفرصة التي لا نستحقها


تصميم وبرمجة: باسل شليوط