خطيئة التوصية على غانتس، ولكن..!

أخفقت التيارات السياسية الفاعلة على الساحة السياسية والتي تشارك في انتخابات الكنيست باتخاذها قرار التوصية على غانتس لتشكيل حكومة في حينه. كما أن تركيزها في حملاتها الانتخابية على شخص بنيامين نتنياهو والتخلص منه، اختزل الصراع مؤقتا ضد شخص نتنياهو، إذ بان وكأن مشكلة فلسطينيو الداخل تقتصر على نهج وسياسة نتنياهو، وبدا وأن الصراع سينتهي والمعاناة ستتوقف بمجرد إقصاء نتنياهو من رئاسة الحكومة.

لا أقلل من شأن اعتبارات بعض السياسيين في اتخاذ هكذا قرار والذي يعتبر خطيئة، تدفع الحركة الوطنية والأحزاب الفاعلة في الداخل ثمنها حتى اليوم، ولكنهم لم يأخذوا بالحسبان أن مصيبة فلسطينيي البلاد لا تقتصر على نتنياهو الشخص، وإنما على ترسانة كاملة تعمل بشكل مبرمج ولا تحسب حساب لأحد منذ قيام هذا الكيان.

إن العقلية الصهيونية الإقصائية تعمل جاهدة على تثبيت دعائم نظام الفصل العنصري قولا وفعلا، وتعتمد بذلك على رؤية ومشروع واضح المعالم بأدبيات الحركة الصهيونية وبنهجها الذي يسيء لفلسطينيي البلاد يوما بعد يوم، والمعركة في السنوات الأخيرة كانت معركة داخلية حفاظا على المشروع الصهيوني واستمراريته بذات النهج والعقيدة، ولا يقتصر الحل على تغيير رئيس حكومة أو حكومة، فكل حكومات الكيان تنتهج ذات النهج ولا ترى حتى اللحظة بالفلسطينيين إلا رعايا ومؤقتين واقتراحات الحلول التي ظهرت مؤخرا تؤكد أن الحلول المقترحة ما هي إلا حلولا وقتية حتى إيجاد حل بعيدا عن المشروع الصهيوني المحافظ على طهارة العرق.

حكومات الكيان المتعاقبة لم تختلف بالجوهر على وضعية فلسطينيي البلاد وعملت جاهدة على إقصائهم وتعاملت معهم على الدوام على أنهم مواطنون درجة ثانية، وإذا أردنا الحديث عن حل حقيقي فيجب على مؤسسات الكيان تغيير منهاجها التربوي، برنامجها السياسي، منظومتها الاقتصادية ونهجها السياسي، وليس حلولا وقتية، فعقيدة مصادرة الأراضي وعقلية إقصاء الفلسطينيين في قرى كالغيتوهات بعيدا عن المشهد العام، لا تُحل بميزانية هنا أو هناك، كبعض الفتات الذي تبذره الحكومة اليوم.

إن خطيئة التوصية لم تقتصر ضررها على تلميع ضابط صهيوني هنا أو هناك، ولا تبني مشروع صهيوني دون آخر، إنما فتحت خطيئة التوصية شهية بعض المتربصين على الساحة السياسية المحلية والتي تمثلت بالقائمة الموحدة والذي كان من الصعب على مركبات المشتركة مواجهة هذا المشروع خاصة وأن المجتمع الفلسطيني في الداخل يمر بحالة من الإحباط وفقدان الأمل لعدة أسباب منها اجتماعية وسياسية فلسطينية وعربية.

إن التوصية على غانتس كانت بمثابة طوق نجاة لبعض الساسة المحليين الذين رأوا بها فرصة سانحة لترويض المشاريع القومية ومحاولة الاندماج اقتصاديا بعيدا عن البعد القومي، ضاربة بعرض الحائط قضايا الاستيطان والتهويد، هذا ناهيك عن العمل تحت مظلة المشروع الصهيوني بمنأى عن القضية الفلسطينية الجامعة وكأنه تم تصفيتها وطيها خارج المشهد من خلال فرض واقع جديد يعزز مكانة المشروع الصهيوني بكل حيثياته.

وفيما إذا أردنا أن نعتبر موضوع التوصية على غانتس على أنها زلة، فهذا لا يعفي متخذيها من المسؤولية في ظل الويلات التي حلت بنا من بعدها على صعيد المشروع القومي الفلسطيني، كما أننا لا نستطيع التعامل معها خارج السياق التاريخي، حيث تعتبر استمرارا وتطورا في التعامل مع حكومات الكيان بعد أن شكلت الأحزاب العربية جسما مانعا زمن حكومة باراك لذات السبب تقريبا.

ولا نستطيع اعتبار هذا التطور إلا بالخطير وإذا ما حوصر هذا النهج، فإن تبعياته خطيرة ولا تحمد عقباها، لذا يتوجب على الحركات والأحزاب الفلسطينية الفاعلة على الساحة المحلية أخذ التدابير اللازمة وإيجاد حلول واقعية للتصدي لهذا المشروع الذي سيؤدي في حال تجاهله إلى تصفية قضية فلسطينيي البلاد، إضافة إلى إمكانية ظهور مشاريع أخرى أكثر خطورة من التي نتعايش معها اليوم، فالتطورات مؤخرا لا تبشر خيرا، وعلى القيادات أن تأخذ ذلك على محمل الجد وأن تتوحد للتصدي لمثل هذه المشاريع النزقة والتي قد تؤدي إلى محو معالم المكان وهوية سكانه الأصليين.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط