تجمّع حيفا: إشهار كتاب "حكاية سر الزيت" للأسير دقّة

 

'أكتب حتى أتحرّر من السّجن... على أمل أن أحرّره منّي' – وليد دقّة

بعد ملاحقاتٍ عديدةٍ مارستها الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة، خلال الفترة الماضيّة، عقدت، مساء أمس السبت، ندوة إشهار كتاب 'حكاية سرّ الزّيت'، للأسير السّياسيّ المعتقل منذ 32 عامًا، وليد دقّة، في مقرّ التجمع الوطني الديمقراطي في حيفا.

وامتلأت القاعة عن آخرها بالحضور، الذي ملأ الرصيف المقابل، تحديًا للملاحقة التي تمارسها الأجهزة الأمنيّة ضدّ الكتاب خصوصًا، وضدّ الأسرى الفلسطينيين عمومًا.

إحباط تطهير الإنتاج الأدبي الفلسطيني من هويّته

وافتتح الندوة الكاتب مجد كيّال، الذي قال 'إننا، قبل كل شيء، نحتفل بهذا الإصدار الأدبي الجميل والصافي والمبدع. وليد دقّة منذ 32 عامًا وهو يبدع، يخلق حريّة وفرحًا ومتعة أدبية من داخل السجون، ومن داخل منظومة القمع الإسرائيليّ'.

وأضاف أنّ هدف قانون 'الولاء في الثقافة'، الذي أقره الكنيست مؤخرًا، 'هو تطهير الإنتاج الأدبي الفلسطينيّ من السياسة ومن القيمة التي هدفها الحفاظ على هويّة وطنيّة ثابتة، هدفها أن تغيّر واقع القمع وأن تسقط نظام الفصل العنصري'.

وحول الكتاب نفسه، قال كيّال إنّه 'أوّل إصدار من أدب السجون الفلسطينيّ موجّه لشريحة اليافعين، وهذا، بحدّ ذاته، له أهميّة كبيرة، بالإضافة إلى تناوله الحساسيّة الاجتماعيّة والقضايا التاريخيّة بلغة جميلة قادرة على اجتذاب اليافعين'.

 

كيف يبقى قادرًا على السؤال؟

وقالت زوجة الأسير دقّة، سناء سلامة- دقّة، إنّ 'قضيّة الأسرى قضيّة مقاومة في المقام الأوّل، وإن المؤسسة الإسرائيليّة تلاحق الكتاب حيثما تقرّر عقد ندوةٍ له'. أمّا عن وليد نفسه، فذّكرت بمقولة كتبها سابقًا، هي 'قمّة النضال أن تبقى قادرًا على السّؤال، وأن تكون مستعدًا للنوم حتى في فراش أسرك'.

وأضافت أنها حين تحدّث لها عن فكرة ’حكاية سرّ الزيت’، حتى قبل بلورتها، تساءلت مندهشةً 'كيف يستطيع إنسان الحفاظ على هذه الجملة طوال 32 عامًا، وأن يطبّقها حرفيًا؟ بلورة فكرة من هذا النوع، في عقل أسير موجود 32 عامًا في الأسر، هو بحدّ ذاته عبقريّة صمودٍ وتحدٍ'.

 

وأشارت دقّة أنها كانت تعتقد أن الجزء الأصعب في مشروعٍ من هذا النّوع هو 'كيفيّة إخراج الرواية من السجن'، 'لكن، بعد ما مررنا فيه من ملاحقة وفشل وأحيانًا، بالإضافة إلى النجاحات والتحديات في اختراق الحصار الذي فرضته المؤسسة الإسرائيليّة على الرواية، اتضح لي أن الجزء الأصعب هو أن يكون شعبنا قادرًا على حمل هذا المشروع'.

'برأيي، حملنا الرواية كما يجب، فهي اخترقت الحصار الإسرائيلي، واخترقت الرواية الصّهيونيّة، لصالح فرض روايتنا الفلسطينية'، قالت دقّة، وأضافت أنّ الرواية هي جزء من ثلاثيّة يعكف وليد دقّة على كتابتها، وستصدر قريبًا، هي 'حكاية سرّ السيف' و'حكاية سرّ الطيف' إلى جانب 'حكاية سر الزيت'. وبشّرت بأن 'حكاية سرّ السّيف' أصبحت خارج السّجن الآن، رغم كافّة التّحدّيات القائمة.

وختمت دقّة كلمتها بالتعليق على تهديد الأجهزة الأمنية بملاحقة مؤسسات فلسطينية في حيفا أعربت عن نيّتها استضافة العمل، قائلةً إنه 'نستخلص من هذه المرحلة هو أن شعبنا بحاجة لأن يكون أكثر تنظيمًا وترتيبًا، لا تنقصنا الشجاعة أو الإقدام لتحدي المؤسسة الإسرائيليّة، لكن شعبنا ينقصه التنظيم والترتيب... لا يعقل أن تكون هنالك 6 مؤسسات غير مرخصّة في حيفا، حتى تمت محاصرتها قضائيًا من قبل المؤسسة الإسرائيليّة'.

 

استمرارٌ لإبداعٍ داخل السّجون

أما المداخلة الثالثة، فقدّمها الكاتب رأفت آمنة جمال، حول 'أدب الأسر الفلسطيني'، استعرض فيها نماذج لأدب كُتب داخل المعتقل، منها ما هُرّب، ومنها ما نُشر بعد تحرير الأسرى من السّجن.

وقارن بين ثلاثة إصدارتٍ كتبت داخل السجون، هي 'الأرجوحة' لمحمّد الماغوط، 'مذكراتي في سجن النّساء' لنوال السّعداوي، 'صور من الحياة والسّجن' لأحمد فؤاد نجم.

واستعرض جمال، بعد ذلك، تاريخ أدب السجون الفلسطيني، عبر مراحل تاريخيّة، بدايةً من كتاب 'أدب السجون' للأديب والمترجم الفلسطيني الشّهير، خليل بيدس، الذي كُتب أثناء الاحتلال البريطاني لفلسطين، ولاحقًا ديوان عوض النابلسي عام 1937، و'كلمات سجينة' وهو ديوان مشترك لـ10 شعراء فلسطينيين، ويضمّ 22 قصيدة.

وذكر أن 'السّلطات الإسرائيليّة منعت الأسرى في سنوات السّتينيات من امتلاك أيّة أدوات للكتابة، وهو ما أثّر على الإنتاج الأدبي في السّجون، بينما زخرت الثمانينيّات والتسعينيّات بالشعر والقصّة والرواية، نظرًا لالتهاب قلوب الأسرى بأحداث الانتفاضة'. بينما قدّم الممثل وسيم خير قراءةً لنصوص من الكتاب.

 

انعتاق الفلسطيني... وإخراس الإسرائيلي

وكان الشّاعر علي مواسي آخر المتّحدثين، وقدّم مداخلةً بعنوان 'حول كتاب ’حكاية سرّ الزيت’'، قال في مستهلّها إنّ وليد دقّة في حكايته اختار أن يكون نصه السردي موجها للفتيان، فبالتالي يحمل جوانبَ هوياتيًّا وتربويًا، 'وباعتقادي، فإن هذا العمل يمكن أن يشكّل نموذجًا يمكن الاعتماد عليه في أي مدرسة أو مؤسسة تضطلع بالعمل التربوي أو الثقافي لتنشئة الشبيبة، كونه يتمتع بثلاثة خصائص رئيسيّة؛ أولها أنه ممتع، يطرح قضايا سياسية واجتماعية شائكة في قالب جمالي ممتع؛ ثانيها أنه على درجة عالية من الإتقان واضحة في تحرير الكتاب وصياغته وإخراجه وبنيته، وثالثها لأن مجمل الخطاب في الكتاب والمعاني التي يطرحها يقوم على سؤال العدالة والحرية في صورة جمعية فلسطينية، دون إنكار الفرد وبالابتعاد عن الشعار السياسي الواضح'.

واقترح مواسي تناول العمل عبر التطرق لجمالية النص، قائلًا إن من المقوّمات الشعرية لهذا النص هي لغة الشّخصيّات، 'فقد اختار وليد دقّة المحكية الفلسطينيّة لتكون لغة الشخصيات باستثناء نص واحد، وهو حديث شجرة الزّيتون، وكأن هذا النص المرجعي الذي يحكم كل العمل جعله بلغة عالية وفصيحة باستخدام السّجع، لكن باقي الشخصيات استخدمت المحكية الفلسطينيّة، لا محكيّة وليد (باقة الغربيّة)'.

وأشار إلى أنّ 'ذلك يعني إما أن وليد اختار المحكية الفلسطينية لتكون لغة العمل، أو لأن لـ32 عامًا في السجن مفعولها'.

ووفقًا لمواسي، فإنّ اللافت في حديث الشخصيات، هو أن الحديث يجري عن مستوطنات وعساكر واحتلال وسجون وحرّاس ومفتّشين، لكن لا صوت للإسرائيليين أبدًا. 'الإسرائيلي يحضر في كل التفاصيل كخلفيّة، وثمّة استقلاليّة للفلسطيني في الفعل. الإسرائيلي هو ديكور، مقابل الانعتاق الفلسطيني في فعله، وسؤال الشخصيّات ليس سؤال الإسرائيلي، على مستوى الخطاب'.

 

'حكاية سرّ الزيت'

تدور أحداث الرواية في مخيّلة طفل يريد زيارة والده في سجون الاستعمار الإسرائيلي، لكنه لا يستطيع ذلك بسبب منعه من الزيارة، فيختبئ في شجرة زيتون من المفترض أن يتم نقلها إلى الأراضي المحتلة عام 1948، ويتخفى باستخدام زيت الزيتون المقدس، ثم يتمكن من زيارة والده، فيدور سؤال حول إخراج الوالد الأسير من سجنه بواسطة الزيت أو نقل الطلبة الذين لا يستطيعون الوصول إلى أماكن دراستهم.

 

وليد دقّة

من مواليد باقة الغربية في العام 1961، اعتقل في العام 1986 وحكم بالسّجن المؤبّد وقضى حتّى الآن 32 عامًا في السّجون الإسرائيليّة. حصل، أثناء فترة اعتقاله، على الماجستير في العلوم السّياسيّة، وأنجز العديد من المقالات والدّراسات، بالإضافة إلى نصوص سياسيّة وثقافيّة، أهمها دراسة 'صهر الوعي'، التي قدّم لها د. عزمي بشارة، ونصّ 'الزمن الموازي' الذي يتناول فيه تجربة الأسر، وتم تحويله إلى أدب مسرحي لوحق مرارًا.

 


تصميم وبرمجة: باسل شليوط