تجربتنا "التاريخية" كتجمع مع استطلاعات الرأي

تجربتنا "التاريخية" كتجمع مع استطلاعات الرأي، وفي كل مرة كانت "المي تكذّب الغطاس" بيقين المسح الميداني الدقيق.

منذ تأسيس التجمع قبل ربع قرنٍ من الزمن، لم يشر أي من استطلاعات الرأي إلى عبور التجمع نسبة الحسم ولو لمرة واحدة، وفي جميعها، وعلى الدوام، فاجأ التجمع أصدقاءه قبل خصومه.

هي، أي الاستطلاعات "كالعطر، يجب شمّه، ممنوع تذوقه"، هكذا وصفها أحد دواهي السياسة الإسرائيلية ذات يوم.

مرت على التجمع ست (6) دورات انتخابية منذ تأسيسه:

1996: بتحالفٍ مع الجبهة وتمثلت القائمة بخمسة مقاعد، كان للتجمع واحد فقط داخلها.

1999: بتحالف مع العربية للتغيير وتمثلت القائمة بعضوين، واحد لكل طرف من الطرفين.

2003: خاضها التجمع منفرداً، وحصل على ثلاثة (3) مقاعد، في حين حصل تحالف الجبهة والعربية للتغيير على ثلاثة (3) مقاعد، وحصل تحالف الإسلامية والديمقراطي العربي على مقعدين (2).

2006: خاض التجمع الانتخابات بمفرده هذه المرة أيضاً، وحصل على ثلاثة (3) مقاعد بنسبة 2.3‎%‎، وحصلت الجبهة هي الأخرى على (3) مقاعد بنسبة 2.7‎%‎، فيما حصل تحالف القائمة الموحدة التي ضمت الحركة الإسلامية والعربية للتغيير والديمقراطي العربي على (4) مقاعد مجتمعين بنسبة 3‎%‎.

2009: خاض التجمع الانتخابات بقائمة تجمعية، وعزز القائمة بالمقعد الرابع للشيخ عباس زكور وحصل على (3) مقاعد وبفائض كبير فوق المقعد الثالث وحصل على نسبة 2.5‎%‎، في حين حصلت الجبهة على (4) مقاعد بنسبة 3.3‎%‎، وحصلت القائمة الموحدة بمركباتها الثلاث السابقة على (4) مقاعد مجتمعين بنسبة 3.4‎%‎.

وقبل، وخلال الجولة الانتخابية هذه بالذات، راهن كثيرون أن إمكانية التجمع عبور نسبة الحسم هذه المرة أشبه بالمستحيل، نتيجة النفي القسري للدكتور عزمي بشارة حينها، وبناءً على الوهم الذي توهموه حول "حزب الرجل الواحد"، فكسرنا هذا الوهم حينها، وإلى غير رجعة، وأثبت التجمع أنه حزب المؤسسات الذي لا يرتكز على شخص، مع أهميته الكبيرة، وازدادت قوة التجمع الانتخابية بـ (11673) حين قفز من (72066) صوتاً في انتخابات (2006) إلى (83739) صوتاً في انتخابات (2009)، وأدخل لأول مرة امرأة إلى البرلمان من خلال تيار وطني، وهي الرفيقة حنين زعبي.

2013: خاض التجمع الانتخابات بقائمة تجمعية وحده هذه المرة أيضاً، وحصل على (3) مقاعد وبفائض أصوات ما يقرب عشرة آلاف صوت وبنسبة 2.56‎%‎، وحصلت الجبهة على (4) مقاعد بنسبة 2.99‎%‎، والقائمة العربية الموحدة بتركيبتها الثلاثية على (4) مقاعد مجتمعين هذه المرة أيضا بنسبة 3.65‎%‎.

فاقت الجبهة التجمع بنسبة 0.43‎%‎، في حين فاقت القائمة العربية الموحدة بمركباتها الثلاثة مجتمعةً، التجمع بنسبة 1.09‎%‎.

كان هذا هو حال الجميع قبل بداية عهد المشتركة سنة 2015، وهذه المعطيات وُضعت على طاولات المفاوضات منذ البدء، لإظهار القوة الانتخابية الفعلية على الأرض، بعيداً عن الاستطلاعات الوهمية على الورق، استطلاعات قد تكون أقرب إلى الواقع في الوسط اليهودي الذي تختلف فيه طبيعة التركيبة الاجتماعية كما هو حال مجتمعنا.

هذه القراءة للاستطلاعات ما كنا نعتمدها، إلّا لقراءة المؤشر السياسي العام، أو لدراسة مكامن القوة والضعف على مستوى المناطق أو الشرائح الاجتماعية أو توجه الجيل الشاب الذي سيصوت للمرة الأولى، والمترددين وما أشبه. ولكن لم نعتمدها أبداً من باب اليقين كما البعض، لأننا كنا نستمد استطلاعاتنا الحقيقية من المسح الميداني الدقيق في جميع المواقع بلا استثناء وعلى الدوام كعادتنا، كما هذه المرة أيضاً التي ابتدأنا فيها منذ أسابيع بإجراء المسح الميداني الذي تقوده الدائرة التنظيمية ومسؤولو المناطق.

كنا ندرك باليقين المطلق ما هو الحد الأدنى لقوتنا الحقيقية، ولم نرتبك يوماً، حتى في لحظة صدور المعطيات الأوليّة بعد إغلاق الصناديق مباشرةً، والتي كانت تشير على الدوام بعدم اجتياز التجمع نسبة الحسم، ووسط حالة ارتباك ويأس البعض كنا نخرج بالبث المباشر مباشرةً ونؤكد على الهواء: للتجمع ثلاثة مقاعد على الأقل، وبفارق عشرة آلاف صوت في حال لم نحصل على الرابع، وكنا ننهي المقابلة بالقول: ليست هناك قوة مهما عتت تستطيع أن تمنع هذا التيار من أن يتمثل بثلاثة مقاعد على الاقل... وبعد ساعات كانت النتائج النهائية تقطع الشك باليقين، و"المي تكذب الغطاس"، لتؤكد صدق التجمع باستطلاعات المسح الميداني الدقيق، وعلى نقيضٍ تام مما توقعته استطلاعات وسائل الإعلام- وعلى الدوام- منذ ربع قرنٍ مضى.

في انتخابات 2009، أشارت كل استطلاعات الرأي إلى أن التجمع لن يعبر نسبة الحسم، وأشارت استطلاعات الرأي الداخلية لبعض الأحزاب إلى أن التجمع في أحسن حال سيحصل على (50) ألف صوت، وعليه لن نكون حبل نجاة لأحد.

في الساعة الخامسة من يوم الانتخابات، وقبل إغلاق الصناديق بخمس ساعات اتصلت بالرفيقة حنين زعبي وقلت: نبارك لك. أجابت ضاحكة: على مهلك، تبقت خمس ساعات لإغلاق الصناديق واستطلاعات الرأي غير مشجعة. أجبتها: حساباتنا الميدانية تشير إلى أنك دخلت البرلمان وليس هناك قوة تحول دون ذلك.

وفي لقاء مع راديو الشمس قبل موعد الانتخابات بأيام قليلة قلنا وببث حي ومباشر: التجمع في أسوأ الأحوال سيحصل على (80) ألف صوت، وحصلنا على ما يقرب الـ(84) ألفاً!

في نفس الليلة وبعد إعلان النتائج في قاعة أبو ماهر، نقلت حنين للحضور ما تم بيننا.

في الانتخابات الأخيرة، ما قبل المشتركة، أي في انتخابات عام 2013، أعطت العينة الانتخابية في جميع المحطات النتائج التالية:

الجبهة (5)، الموحدة (5)، والتجمع لا يعبر نسبة الحسم..

اتصل جاكي خوري من راديو الشمس وطلب تعقيبي على النتائج الأولية. قلت حينها: "ليس السؤال إن كان التجمع سيعبر نسبة الحسم أم لا، السؤال الصحيح يجب أن يكون: هل سيعبر بثلاثة أم أربعة مقاعد!

سألني: هذه تمنيات؟

أجبته: هذه نتائج حساباتنا الميدانية من فسوطة شمالاً حتى بير هداج جنوباً، وسجّل عندك بالبث المباشر: للتجمع في أسوأ حال (95) ألف صوت، ما يعني (3) مقاعد وبفائض عشرة آلاف صوت على الأقل.. وحصلنا على أكثر من (97) ألف صوت!

تجربتنا مع الاستطلاعات على الورق كانت قاسية، ولكننا أثبتنا نقيضها المطلق في النتائج الحقيقية على الأرض وفي صناديق الاقتراع.

هكذا كان الحال، وهو كذلك اليوم، والتجمع جاهز لكل سيناريو، حتى لأصعبها، فهو حزب يجيد قراءة واقعه تماماً، ويعرف كيف يتصدى، يتحدى وينتصر.

ونحن واثقون، كل الثقة، نعم!

*الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي


تصميم وبرمجة: باسل شليوط