الأولويات قبل العلامات

بعد نشر تقرير وزارة المعارف، أمس الثلاثاء، حول نسبة ومعدّل النجاح في امتحانات البجروت بالمدارس، ننشغل، سنويًا، في كل مرة من جديد، بتلك النتائج، وتضج شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية، مناقشةً ومحلّلةً أسبابها، لكن الملف لا يلبث أن يغلق بعد أيام قليلة من النشر، دون تحليل المعطيات والمعلومات بشكل مهنيّ دقيق يقوم على أساس علميٍّ بحت، ثم ننشغل عنه بانتظار تقرير السنة القادمة، عسى أن يطرح الله البركة.

تزداد الأبحاث في السنوات الأخيرة حول جدوى ونجاعة المدرسة التقليدية عمومًا، وحول جدوى ونجاعة امتحانات البجروت، كذلك. لكن، إلى حين استخلاص العبر وطرح البدائل الملائمة لتطورات ومتطلبات العصر التكنولوجي، علينا أن نفرّق بين الغث والسمين عند قراءة تلك النتائج، وتحليل النسب في خضم الضجيج الفيسبوكي.

ومع أن نسبة النجاح بالبجروت تصل إلى 50% فقط في الدولة من مجمل المتقدمين، إلا أنها تعتبر من أعلى النسب في العالم؛ بيد أن المعطى الأهم، هو مصير من لم يتقدموا للامتحانات! وهل هناك خطط لتقليص أعدادهم ودمجهم في برامج تعليمية ملائمة لقدراتهم المهنية والتكنولوجية! إن لم يكن الأمر كذلك! فالعمل، بأضعف الإيمان، ألا وهو ضمان إنهائهم سنوات التعليم ليستطيعوا الالتحاق، في ما بعد، بأطر ملائمة لهم ولتطلعاتهم، لأن المجتمع لا يقتصر على المتفوقين أو على من حالفهم الحظ ليحظوا بأفق اقتصادي واجتماعي يمكنهم من النجاح بالمسيرة التعليمية المدرسية.

ولكي لا نضيع بين النسب والعلامات والأرقام مع أهميتها، علينا أن نحدد الأولويات التي نريد من إدارة المدرسة والسلطة المحلية، وما هي الرؤيا لأولادنا على الصعيد التعليمي إستراتيجيًا، بمعنى أن نضع خططًا شاملة على المنظور البعيد، تضمن أهدافًا دقيقة وواضحة، فكما ننظر إلى نسب النجاح في البچروت يجب أن نلتفت، أيضًا، أولًا إلى نسبة المتقدمين للامتحانات من مجمل الطبقة (الجيل)، وثانيًا ما هي الخطة الموضوعة لتقليل أعداد المتسربين. وأخيرًا ما هي التخصصات والفروع التي تملكها مدراسنا الثانوية، وما مدى ملاءمتها لمتطلبات ورغبات الطالب، نظرًا للأبحاث التي تدل على أهمية اختيار الطالب المواضيع حسب رغبته.

وفي عملية البحث عن المضمون لا بد من فحص المواضيع الأساسية، مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية للبجروت (5 وحدات) لتمكينهم وتسهيل قبولهم في المعاهد العليا، وهل المدرسة مواكبة لمتطلبات السوق! وهل توجه وتجهز الطلاب بالشكل السليم؟!

هذه هي العملية التي يجب أن ننشغل بها، انطلاقًا من تحديد الأولويات قبل الخوض بالعلامات، لكي لا يتحول الموضوع إلى ترف أرقام لا يسمن ولا يغني من جوع.

نعم، نريد من المدرسة تحصيل النتائج الجيدة، لكن ليس فقط النتائج، فسؤالنا هنا هل تبني المدرسة الطالب ليصبح متميزًا؟ وهل تملك مدارسنا القدرات التي تؤهلها من اكتشاف تميز كل طالب وطالب في مجاله؟ نريد من المدرسة بلورة شخصية قوية للطالب وللطالبة، قادرة على التحمل والتركيز، وتمكين الطالب من أدوات يكتسب من خلالها الخبرة في كيفية مواجهة المشاكل والمعضلات الحياتية ويطور أدوات الاعتماد على الذات.

نريد من المدرسة أن تبلور شخصية عصامية وطنية ذات كبرياء وانتماء يهمها مجتمعها وشعبها.

"التعليم أولًا"، ولهذا الشعار استحقاقات كبيرة، علينا أن نبدأ بتذويتها في عقولنا، ومن ثم في مؤسساتنا، لنضمن مستقبلا أفضل لنا ولأولادنا ولمجتمعنا.

سنة تعليمية مثمرة!


تصميم وبرمجة: باسل شليوط