أي شراكة وأي يسار؟

مرة أخرى، يخيب ظن اليسار الصهيوني بالقيادة العربية، بسبب مقاطعة جنازة شمعون بيرس. مرة أخرى، تتوقع أحزاب وأطر اليسار، التي تدعي نشاطها من أجل التعايش وتقليص الفجوات، منا  نحن  أبناء الشعب المقموع والمسلوب في وطنه، أن نكون ممتنين لهم، وأن نعبر عن إعجابنا واحترامنا لأي شخصية من هذا الشعب المحتل، الذي ينعم بالامتيازات التي خصصتها لهم الدولة اليهودية. هم يتوقعون أن مطالباتهم برفض العنصرية، أو تحسين الميزانيات وتخفيف الظلم اللاحق بنا، ستقابل منا بالشكر والتهليل. على هذه الاعتبارات، إذًا، ليتحضّر هؤلاء في اليسار الصهيوني، إلى الكثير من الخيبات.

عمليًا، كان لعدم مشاركتنا في جنازة بيرس أثرا إيجابيًا واضحًا، إذ كانت فرصة لإعادة  هذا النقاش إلى الحيز العام: إننا في الحقيقة لا نبحث عن مواطنة مشتركة مع اليسار الصهيوني بهذا المفهوم. لا مكان للحديث عن هكذا مواطنة ما دام التصنيف قائم على مواطنات متفاوتة. نحن نطمح للمساواة الخالصة. إذا كان اليسار الصهيوني يدعم حقًا  هذا المطلب الأسياسي، فعليه يدعم مشروع دولة المواطنين، إذ لا مكان لمساواة حقيقية بين العرب واليهود في دولة اليهود. هذا يعني أن يبدأ اليسار بتذويت أن الصهيونية أنشأت هنا نظامًا كولونياليًا قائمًا على قمع واضطهاد الشعب الفلسطيني عمومًا، بما في ذلك الفلسطينيين الذين فرضت على المواطنة الإسرائيلية بعد النكبة.

اليسار الصهيوني هو جزء من هذا النظام الذي ما زال قائمًا بشكله الأبشع، من خلال سيطرته الكاملة على شعب آخر، والذي ما زال يتوسّع ليتحول إلى نظام فصل عنصري. أن يحاول اليسار، وبصدق، أن يعمل من أجل تحسين الأوضاع داخل هذا النظام، من خلال الميزانيات وتقليص الفجوات والبنى التحتية، لا يلغي بشاعة النظام الكولنيالي. وإننا وإذ نتعاون معه من أجل هذه المصلحة، ونرى به شريكًا في هذه النقطة العينية فقط، فإنها لحسابات إدارة الصراع بشكل أنجع. ولكن، حتى تتحوّل هذه الشراكة المصلحية إلى شراكة حقيقية، على اليسار أن يناضل معنا ضد الطابع الكولنيالي لهذا النظام، وأن ينزع الشرعية عنه، وأن يرفع بديلا للدولة اليهودية، صوتا من أجل دولة ديمقراطية علمانية ومدنية، هي دولة المواطنين، دولة يجد بها كل من الشعبين ويحققان من خلالها كينونتهم القومية والثقافية والدينية. وهذا وحده ما يضمن بين طياته الإمكانية الوحيدة لإنهاء الاحتلال الاستيطاني، لبناء السلام، وللمصالح التاريخية ولخلق فضاء مشترك بين الشعب المحتل الأصلاني، وبين الشعب المهاجر والقائم على الاحتلال. هذا هو مفتاح الشراكة، والذي عليه أن يرتكز على اعتراف بالغبن التاريخي الذي لحق بنا كشعب محتل، ومحاولة وقفه من خلال تبني قيم العدالة التاريخية والعدل التوزيعي والمساواة المدنية والقومية. هذه هي الإمكانية الديمقراطية والإنسانية الوحيدة لإنهاء الصراع.

المأساة التاريخية في اليسار الصهيوني أولًا، أنه صهيوني، وثانيًا ان هذا اليسار لم يفهم كل ما تقدم أبدًا، لأنه حاول وما زال يحاول أن يكون في قلب الإجماع الصهيوني، ولتجميل وجه المشروع الاستيطاني من خلال تخفيف نتائجه المدمّرة. هذا التوجه لا يقدم شيئًا. وعليه، فإن تضائل اليسار سيستمر، تمامًا كما سيستمر اتساع نفوذ اليمين القومي والديني المتطرف داخل الاغلبية المحتلة، الاستيطانية والعنصرية، لأن هذه هي الافتراضية الأساسية لكل نظام كولنيالي استيطاني.

 بالمناسبة، فإن مراسم الجنازة مع هذا الكم من  المشيّعين الرسميين من قيادات الليكود والتي كانت قد شيّعت بيرس قبل وفاته بكثير، كان عليها أن تضجّ سماء اليسار، بدل أن تجعله يبحث عن مكان دافئ في قلب احتفال القبيلة القومية، حيث تجلى النفاق السياسي بأعلى درجاته.

في النهاية، نحن لن نعتذر لأحد عن هذه الخيبة، لا لليسار ولا لغيره،  ليس هذا فقط، بل سنستمر في العمل معه بشكل مهني وعملي على الأمور الحياتية اليومية المتعلقة بنا وبأقليتنا، ولكن من دون تأتأة، دون أن ندفع ثمنًا لذلك  أي مس بشرفنا الوطني وروايتنا التاريخية وحقوقنا الجمعية.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط