الاستكانة ليست حلا

لا مكان للتأتأة ولا للتردد. الحملة التحريضية المنهجية والمنظمة التي ما انفكت تقوم بها أذرع الحكم الإسرائيلية ووسائل إعلامها، منذ عدة أيام، بحق النائب باسل غطاس هي أولا ظالمة، وهي ثانيا جزء من مسلسل الملاحقة السياسية ضد حزب التجمع والأحزاب العربية والقائمة المشتركة وشعبنا الفلسطيني داخل الخط الأخضر. وكما في كل الحملات التحريضية الإسرائيلية في العقد الأخير، يحتل التحريض ضد مؤسس حزب التجمع، المفكر عزمي بشارة، حيزا واسعا في هذه الحملة. لا يوجد لدي تفسير لهذا الحقد الدفين الذي يستبد بهم ضد المفكر بشارة، ولعل تفسير ذلك بحاجة إلى مختص في علم النفس وليس في علم السياسة.

وتعج هذه الحملة التي يقوم بها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والعديد من وزرائه والكثير من أعضاء الكنيست وقادة وسائل الإعلام بالافتراءات والأكاذيب والمبالغات والتهويل من الأمر، وكأنه توجد قضية أمنية خطيرة تهدد أمن إسرائيل وسلامة مواطنيها، علما أن القضية ليست كذلك إطلاقا. ولم تنطل هذه الفرية حتى على قاضي محكمة الصلح في ريشون لتسيون الذي رفض قبول ادعاءات الشرطة، وأكد أن هذه القضية بعيدة كثيرا من أن تكون قضية أمنية.

الشرطة الإسرائيلية تشتبه بأن النائب غطاس نقل مغلفات فيها تلفونات خليوية لإثنين من "السجناء الأمنيين" الفلسطينيين في سجن في النقب أثناء زيارته لهما. وفي حين يقر النائب غطاس بنقله المغلفات وهي مغلقة معتقدا أن بداخلها كتب، فإنه يؤكد عدم معرفته بوجود تلفونات خليوية بداخلها عندما سلم هذه المغلفات، أمام الكاميرات، إلى "السجينين الأمنيين". هذه هي القضية وهذا هو حجمها.

من المهم عدم الانجرار وراء الحملة التحريضية السلطوية الإسرائيلية وعدم إصدار الأحكام المسبقة وجعل القضاء يأخذ مجراه. وهذا أضعف الإيمان. والقضاء، على أي حال، هو قضاء إسرائيلي. فلماذا التسرع وإصدار الأحكام من قبل البعض بإدانة النائب غطاس قبل تقديم لائحة الاتهام ضده وقبل الاستماع إلى جميع الحيثيات وقبل صدور حكم القاضي.

لقد كرر العديد من المراسلين البرلمانيين الإسرائيليين الإدعاء بأن بعض أعضاء الكنيست  في القائمة المشتركة طالبوا ويطالبون باستقالة النائب غطاس من الكنيست. أنا لا أصدق هذه الادعاءات ولا أريد أن أصدقها، ولدي الثقة أن نواب المشتركة في الكنيست لديهم المسؤولية الوطنية والوعي السياسي الكافي بعدم المطالبة بذلك. وكلي ثقة وأمل ألا أكون مخطئا وأنه لن يتصرف أحد "لأمر في نفس يعقوب"

 التحريض أهم أسلحة نتنياهو

ما انفك نتنياهو يستعمل، في العقدين الأخيرين ولا سيما منذ عودته للسلطة في العام 2009، التحريض ضد العرب وضد "اليسار" في إسرائيل كأحد أمضى وأنجع أسلحته لحشد "معسكره القومي" وفئات واسعة في المجتمع الإسرائيلي خلفه وخلف أيديولوجيته وسياساته اليمينية المتطرفة. وقد دأب نتنياهو على استعمال سلاح التحريض واستحضاره في سعيه إلى تجديد "الصهيونية التصحيحية" بما يتلاءم مع الواقع الذي تعيشه إسرائيل والتحديات الأساسية التي تواجهها، فبلور أيديولوجية قومية يمينية متطرفة - ممهورة بالموروث الديني اليهودي المتطرف - التي تقف ضد القيم الإنسانية العالمية.

وفي هذا السياق، عمل نتنياهو بكل طاقته هو و"معسكره القومي"على إعادة صياغة حدود الديمقراطية في إسرائيل وإعادة صياغة حدود الإجماع الإسرائيلي وحدود المعارضة في إسرائيل بما يتلاءم مع الفرضيات الأساسية لأيديولوجيته اليمينية المتطرفة. وقد بات نتنياهو ومعسكره يعد التحريض ضد العرب وضد "اليسار" وسيلة مهمة لكسب الصراع على السلطة في إسرائيل وللبقاء في الحكم.

وكذلك بات نتنياهو ومعسكره يعد الاعتراض على سياسة الحكومة الإسرائيلية الذي تقوم به حركات وجمعيات مثل حركة "السلام الآن" و"بتسيلم" "ويش دين" بشأن قضايا سياسية خلافية في المجتمع الإسرائيلي مثل الموقف من الاحتلال والاستيطان، والموقف من حملة المقاطعة ضد إسرائيل (بي دي إس)، موقفا معاديا للدولة وليس لسياسة الحكومة فقط.

وفي النضال ضد هذه الحملة التحريضية السلطوية الإسرائيلية لا مكان للتأتاة ولا للتردد ولا للاستكانة.  


تصميم وبرمجة: باسل شليوط