المرأة: ما بين البرتقالي والسواد... نحو عقد اجتماعي

قتلت الأخوات ماريبال يوم 25 تشرين ثاني 1960، في جمهورية الدومينيكان، من قبل الديكتاتور تروخيو، وذلك إثر انخراطهن في النضال ضد حكم الدكتاتور. إحداهن، مينرفا، درست القانون وحصلت على الشهادة الجامعية ولكن تروخيو رفض السماح لها بالحصول على ترخيص لممارسة المهنة، بسبب رفضها الدخول معه في علاقة رومانسية. ناضلت الثلاث بكل وسائل النضال، بدءا بإعداد وتوزيع المنشورات والكتيبات، مرورا بإعداد البنادق والقنابل، وانتهاء بتنفيذ لعمليات ضد الحكم، وأطلقن على أنفسهن اسم 'الفراشات'. سجن وتعرضن للتعذيب حتى تم قتلهن بالضرب حتى الموت من قبل أعوان تروخيو. وتعد الأخوات ميرابال، بطلات جمهورية الدومينيكان، إذ انهار جكم تروخيو بعد وفاتهن.  

في 1999، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، وأعلنته برتقالي اللون، رمزا للكفاح والنضال. ويستمر هذا البرتقالي حتى 10 كانون الأول/ ديسمبر، المصادف لليوم العالمي لحقوق الإنسان.

قصة اليوم لمكافحة العنف ضد النساء، هي قصة العنف حيث يلتقي بالمرأة، لأنه يلتقي بها من دوافع مختلفة عن التقائه بالرجل، ويبرر لأسباب مختلفة، ويقع في المجتمع موقعا مختلفا، ويعاقب بطريقة مختلفة.

العنف ضد المرأة يختلف عن العنف ضد الرجل، بمدى وجوده العميق في حياتنا، أي بما نسميه 'الأرقام'، حيث تعاني أكثر من 70 في المئة من النساء من العنف في حياتهن. هذه الإحصائيات تشير إلى أنواع العنف التالية: العنف النفسي، كالشتم أو الإهانة أو التحقير أو الإهمال؛ انتهاك الحرية الشخصية، كالمنع من الخروج من البيت، أو حرية اللباس، أو حرية العمل، أو حرية اختيار الزوج، أو حرية اختيار الأصدقاء، أو حرية التعبير عن الرأي؛  العنف الجسدي كالضرب أو القتل.

لكن مفهوم العنف تطور مؤخرا، حيث لم يعد يقتصر على عملية الاعتداء أو القصر، ليشمل كل عملية تمييز، وبدأنا نتكلم عن العنف الاقتصادي والعنف السياسي والعنف القانوني والعنف الثقافي، باعتبار أن كل أشكال التمييز هي شكل من أشكال العنف.  

هذا الانتشار، الكمي والكيفي، لظاهرة العنف ضد المرأة، يقول إن العنف بالنسبة لنساء كثيرات هو وضعية حياتها وليس حدثا في حياتها. وحين نعرف أن 83 في المئة من المعتدين المباشرين، هم قريبون للمرأة، أي أحد أفراد عائلتها أو معارفها، نعرف كم أن العنف بالنسبة للمرأة هو حالة حياة.

وفي الوقت الذي يشير فيه قرب المعتدي، أن العنف ضد النساء، هو جزء من حياة المعنفات اليومي، يشير استمرار الاعتداء وديمومته وانعدام عقابه، أن العنف ضد النساء هو جزء من حالة المجتمع أيضا.  

وهنا الفرق الأكثر عنفا بين العنف ضد النساء والعنف ضد الرجال: العنف ضد النساء، هو عنف مجتمعي عام، المعتدي المباشر هو فقط 'وكيل'، فيما العنف ضد الرجال هو عنف لمعتدي فرد. هذا الفرق ليس أقل عنفا، من الاعتداء العنيف نفسه.  بهذا المعنى، قتل الرجل يبقى جريمة، فيما يتحول قتل المرأة إلى عقاب. وتشويه الحدود بين الجريمة والعقاب هو انحلال أخلاقي، لا نعود نستطيع فيه محاربة الجريمة.

في استطلاع هام نشر في العام 2014 لجمعيتي 'بلدنا' و'كيان'، ظهر أن 52 في المئة من شبيبة بأعمار بين 14 - 19 سنة يبررون قتل النساء ويتسامحون معه! يأتي هذا المعطى الخطير، في خلاف حاد مع الخطاب السياسي العام، الذي اعتمدته معظم التيارات السياسية مؤخرا. فما سبب الفجوة بين الشارع والخطاب السياسي؟ هل هو ضعف الجانب الاجتماعي للخطاب السياسي؟ أم هو عدم صلابة إجماع هذا الخطاب ووجود تناقضات واختلافات كبيرة في ما يتعلق بمكانة المرأة بين التيارات السياسية؟ أم هو تنافس مرجعيات اجتماعية أخرى على الشارع أكثر تأثيرا من التيارات السياسية؟

والجواب هو، كما العادة، جميع ما ذكر، لكن كما عادة، هنالك المهم والأهم، ثم هنالك ما يمكن تغييره مباشرة، وهنالك ما يأتي تغييره كتداعيات وكنتيجة، ثم هناك من عليه أن يتحمل مسؤوليته بصفته قيادة، وهناك المجتمع الذي ينتظر من القيادة صوتا واضحا في الاجتماعي كما في السياسي، فإذا هادن، هادن، وإذا ثابر، ثابر. القيادة تضع سقفا، وتقنع شعبها فيه، وتتغلب على المحاذير والحسابات والتخوفات، وإلا لم تكن قيادة، في السياسي وكذلك في الاجتماعي.   

الفجوة مقارنة مع الموقف العام تكمن في عدم تماسك التيارات السياسية، الشيوعي والإسلامي بشقيه والقومي، في موقف صلب وموحد تجاه حقوق المرأة ومكانتها. لقد أصدرت قيادات الحركة الإسلامية الجنوبية بيانات واضحة وقاطعة ضد القتل ومع تجريمه وتجريم تبريره والسكوت عليه مهما كانت الأسباب، لكننا لم نسمع مثل هذا الصوت من قيادات الحركة الإسلامية الشمالية. بالعكس ما نسمعه واضحا منها، هو ما يمكن أن يفهم منه تحميل المرأة الضحية ذنب قتلها. وما لا يعد أقل خطرا، هو خطاب بعض 'القيادات المحلية'، أو الأصوات المؤثرة محليا، والمحسوبة على هاذين التيارين، هذه القيادات قد تعتبر هي المرجعية الأقوى في الشأن الاجتماعي، بالذات عندما تواجه بالصمت أو بالتجاهل من القيادات القطرية. ويكمن خطر هذا الأصوات، في تأثيرها الذي يعتاش على انسحاب القيادات السياسية القطرية من الشأن الاجتماعي، ومن قضايا الحريات الشخصية.        

ثم هناك الأصوات المتطرفة، غير المحسوبة على أي من التيارات السياسية، والتي تواجه أيضا بالصمت والتجاهل من قبل معظم التيارات السياسية، باستثناء وقوف التجمع مرارا بمواقف واضحة وحازمة ضدها.       

ومن هنا علينا أن نبدأ؛ التغيير الثقافي هو أبطأ أنواع التغيير، يليه الاقتصادي، ومن ثم السياسي. التغيير السياسي هو نتاج قرار سياسي، تستطيع القيادات اتخاذه، ضمن خطاب واضح يعتمد على مرجعية موحدة وواضحة. وقد تكون مهمة الساعة بلورة عقد اجتماعي جامع وحاضر اجتماعيا، يحمي النساء من صمت المجتمع، ويحمي المجتمع من التدمير الذاتي. ويبني مرجعية قيمية واضحة، هي البداية الوحيدة القادرة على إرجاع قيادة الشأن الاجتماعي للتيارات السياسية.    


تصميم وبرمجة: باسل شليوط