باسل غطاس والالتزام الإنساني

سقط القناع عن ديمقراطية المؤسسة الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى التي بدأت بها أبواقها تقسم المجتمع العربي لعربي جيد وعربي فاسد، عربي معتدل وعربي متطرف، وسقطت ورقة التوت عندما تبنى بعض العرب هذه الإستراتيجية بالتقسيم. سقطت عندما تجندت كافة وسائل الإعلام الإسرائيلية بالتنسيق مع الشرطة التي تسرب لها تفاصيل من التحقيق، لتشكل محكمة ميدانية ضد النائب د. باسل غطاس. وسقطت عندما اعتقلت النائب غطاس خلال التحقيق، وهي سابقة في تاريخ إسرائيل، ليس لسبب إلا لأنه نائب عربي فيما يسرح ويمرح أعضاء كنيست يواجهون شبهات أخطر مثل الاغتصاب والتحرش الجنسي.

لا أريد الخوض بوجه المؤسسة الحقيقي ولا غير الحقيقي، إلا أنني أريد وصف حالة الركود المؤقت في المواجهات الحقيقية الذي يميز بعض القيادات الافتراضية.

تزدحم قائمة الأسماء في المناسبات الوطنية للتضامن والشجب من على منصات المحافل الوطنية ويسترسل الكثيرون حتى تظنهم ممن سيحررون البلاد من الطغاة وسيرسمون مستقبلا مزهرا لفلسطينيي الداخل وسيلمون شمله لحمايته بأجسادهم. كما الكثيرون يتلفعون بعلم الوطن في كل ظهور موسمي حسب الموضة ومتطلباتها.

ما لفت نظري أنه في الأحداث المفصلية وفِي المواجهات الحقيقية تتبدد الكثير من التصريحات ويتبخر العديد من القيادات وتراهم يهلهلون بعد كل أزمة بحجة او بأخرى، منهم على أساس أنه كان على سفر أو في خضم معترك آخر أشد قصوة.

للتذكير، أولا: الدكتور باسل غطاس له أسرة وأخوة وأخوات، فلا ضير بالتضامن معه كإنسان له أسرة وأخوة، تضامنا أخويا إنسانيا.

ثانيا، هو عضو في المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يعمل ليل نهار لخدمة أبناء شعبه، فلا ضير بالتضامن معه لمجرد كونه جنديا في الحركة الوطنية وله شركاء في النضال كثر.

ثالثا، عضو برلمان مع قائمة مشتركة المركبة من تيارات سياسية تمثل غالبية عرب الداخل، فلا ضير لو تضامنت معه لمجرد أنه يمثل شريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني في الداخل أو كزميل لك في البرلمان، يفي بالغرض تضامن كتضامن طلاب على مقاعد الدراسة.

رابعا، كوّن باسل ابن لهذا الشعب العزيز الذي يرفض الظلم ويدعم كل بناء جلدته ورفع الظلم عنهم.

أما أن نصدق وندعم الرواية الإسرائيلية بأن باسل غطاس أخطأ وعليه دفع الثمن! ما هو إلا تواطؤ سياسي رخيص.

يكفي الدكتور باسل غطاس فخرا أنه جسد مواقفه الضميرية الإنسانية بتصرفه ولم يندم ولو للحظة بتعاطفه مع مأساة إنسان أسير وعائلته، وخرج على الملأ وصرح تصريحا لا يقبل للتأويل وبدون تأتأة، بأنه على استعداد لتحمل المسؤولية شخصيا بمواجهة المؤسسة الإسرائيلية وأبواقها، إذ قال 'هذه حصانتكم ردت إليكم' وخرج لمواجهتهم واعتقل وما زال يواجههم برأس مرفوع.

باسل غطاس أسقط ورقة التوت عن الكثيرين من مدعي الوطنية وحب الوطن والناس، كما وأنه تغربل الزيوان عن القمح وبات واضحا من هم الجنود الحقيقيون في مواجهة الظلم والبطش دون هوادة من بين الانتهازيين المتسلقين الذين يستغلون طيبة قلب أبناء شعبهم ويتخمونهم بالشعارات الرنانة الجوفاء بشكل رخيص، وفِي الحقيقة تنازلوا عن أول شعار في أول مواجهو وأصبح العمل الإنساني جريمة.

باسل غطاس لا يمثلني فحسب بمواقفه وممارسته الإنسانية، بل يشرفني أني رفيقه.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط