تبييض الظلم

منذ إنشائها، قامت السلطة التشريعية في إسرائيل بسنّ عشرات القوانين لشرعنة وتبييض أكبر سرقة وطن في القرن العشرين، وحمت السلطة القضائية ومؤسساتها الأمنية هذه القوانين وترجمتها على أرض الواقع، ابتداءً من 'قانون العودة' وسرقة 'أملاك الغائبين' ومصادرة الأراضي والأملاك، وعدم تطبيق قرار المحكمة العدل العليا بعودة أهالي قريتي أقرث وبرعم، وصولا إلى هدم القرى والبيوت العربية في النقب ومخطط برافر.

وفي السنوات الأخيرة، سُنّت العشرات من القوانين العنصرية تجاه المجتمع العربي، منها قانون منع لمّ شمل عائلات عربية فيها أحد الأزواج من الضفة أو غزة، والتي تهدف إلى تفتيت تلك الأسر والتعامل مع ما تسميه المؤسسة الإسرائيلية 'الخطر الديموغرافي' للسكان العرب، وكذلك سُنّ قانون منع إحياء ذكرى النكبة، و'قانون الإرهاب'. فهل يمكننا أن نقبل هذه القوانين ونشرعّنها مثلا؟ وهل يمكن أن نغفل للحظة تبرئة القضاء الإسرائيلي لكافة المتهمين بقتل 13 شابا عربيا في هبة القدس والأقصى في تشرين الأول/ أكتوبر 2000، وعدم تقديم أي شرطي قام بقتل عربي في أكثر من 50 حالة منذ أكتوبر 2000؟

كلنا نتذكر جريمة اغتيال الشاب خير حمدان في كفر كنا عام 2014 وبعدها قتل الشباب سامي الجعار في النقب في العام 2015، وكيف أغلقت الشرطة تلك الملفات دون لوائح اتهام ضد مطلقي النار، وكيف قامت النيابة الإسرائيلية بتقديم لوائح اتهام ضد ستة شبان من مدينة شفاعمرو اتهموا بقتل المجرم الإرهابي ناتان زادا، الذي نفذ عملية إرهابية في شفاعمرو، ومن ثم قامت بسجن غالبية المتهمين لفترات متفاوتة. والأمثلة كثيرة.

على أثر كلّ هذا، كيف يمكن أن يفترض البعض من أبناء شعبنا حسن نية القضاء والشرطة في تعاملها مع المجتمع العربي وقياداته السياسية؟ وكيف لنا أن نتبنى روايتها في الملاحقات السياسية والتهم التي توجها حاليَا إلى  قيادات في التجمع الوطني الديموقراطي دون أدنى  حد من التشكيك. فهل يمكن أن نقبل ونتفهم مثلا ملاحقتها للكتاب والشعراء العرب في خمسينيات القرن الماضي، وغاليتهم من الحزب الشيوعي، لأنهم لم ينصاعوا إلى قوانين الطوارئ والحكم العسكري؟ هل نقبل بإخراج حركة الأرض عن القانون ونحوّل قرار المحكمة إلى شرعي بأعين عربية؟ وهل يمكن أن نقبل الملاحقات الطويلة لحركة أبناء البلد؟ أو إخراج الحركة الإسلامية الشمالية عن القانون؟ كلها كانت ملاحقات سياسية تحت حجج مختلفة ووفقا للقوانين الإسرائيلية. 

غريبة حالة هؤلاء الذين ينتظرون نتائج تحقيق مؤسسة تعلن وتتصرف وتتفاخر بعدائها للمجتمع العربي، ولا تتردد في تبييض الظلم والتنكيل والاحتلال وسرقة الوطن، لكي يعلنوا موقفهم من هذه الملاحقة. والأغرب قيام قسم هامشي وبائس باستعمال الملاحقة وادعاءات الشرطة لمهاجمة التجمع 'وتسكير حسابات'. لكن الأهم من تلك الأصوات النشاز، أن قوانا السياسية كلّها وغالبية مجتمعنا يرون الحقيقة الساطعة كالشمس، بأنّ ما جرى في الأسبوعين الأخيرين، من اعتقالات تعسفية وتحقيقات وترهيب، هو تصعيد خطير في الملاحقة السياسية ضد حزب نشيط ومتحدٍ. هذا التشخيص لا يقتصر على تحليلنا السياسيّ، بل هو أيضًا تشخيص واستنتاج كبار المحامين العرب والخبراء القانونيين في هذا المجال.

إنّ تعامل مراقب الدولة في ملف التجمع كان غير اعتيادي لا في عمق الرقابة ولا في حجمها. إذ قام المراقب بفحص غير مسبوق للتقارير المالية للتجمع، ووجه أسئلة سياسية، منها حول مضامين المخيمات والمعسكرات الصيفية، حتى أنّه سأل عن أسماء الطلاب الحاصلين على تخفيض في رسوم المخيمات ونشاطات أخرى، نوعية القرابة وعمقها، وهو تدخل لم يكن تجاه أي حزب آخر في السابق. كما أن توقيت إرسال التقرير إلى الشرطة قبل اكتماله وقبل أن يرسل التجمع الردود على استفسارات وأسئلة المراقب عزّزت قناعة المستشارين القانونيين أنّ الحديث يدور عن وجود نية مسبقة ومبطنة بضرب التجمع الوطني الديموقراطي.

المسألة لا صلة لها بالقانون واحترامه، ولا بالإجراءات المالية - الإدارية وسلامتها. فنحن في التجمع لا نعارض التحقيقيات الإدارية والمالية، ونتعامل بجدية مع الأخطاء والإخفاقات الإدارية والمالية التي من الممكن أن تكون، ونقبل كافة الملاحظات وسوف نصحح أي أخطاء او إخفاقات مالية ونحسّن أداءنا في هذا الجانب مستقبلا، كما نقبل النقد ونرحّب بالنقاش السياسي حول المسألة، لكن أن تحاول المؤسسة الإسرائيلية استعمال إخفاقات إدارية ومالية عينية لتشويه سمعة التجمع وقياداته وأعضائه وتصويرهم 'كمنظمة إجرامية' فهذا ملاحقة سياسية وتبييض للظلم.

هذه الملاحقة ستفشل كما فشلت المؤسسة في السابق وسيخرج التجمع والأحزاب العربية وأبناء شعبنا ولجنة المتابعة أقوى مما كنا عليه، لأن زيف الادعاءات ستظهر، وسنكتشف مرة أخرى أن أهداف المؤسسة ليست بريئة وبمعظمها سياسي تلبس في هذه المرة حلة مالية إدارية.   


تصميم وبرمجة: باسل شليوط