حتى الأذان لم يسلم منهم

لم أفلح عندما بحثت عن منطق أصف به الحالة الهستيرية التي أتت بالمؤسسة على تشريع قانون منع الأذان، إلا بتذكر تجارب الأقليات في أوروبا التي حرقت معابدها في مطلع القرن العشرين. كيف لمؤسسة كالمؤسسة الاسرائيلية أن تقر مثل هكذا قرار وهي التي تدعي بأن تحفظ حق العبادة للجميع ؟ أنا لا أتساءل وكأني أعول على هذه المؤسسة، لا بل لسببين أولهما أن للجامع والآذان شعب يحميه ولن يفرط به مهما آلت به الأمور. أما ثانيهما، هل ذاكرة هؤلاء الهواة قصيرة لتسنح لهم الفرصة باللعب بمصير شعب كما يرغب بعض المارة من قياداتهم؟ ألم يتعلموا الدرس من عواصف النقب وفرية دمشق وليل البلور؟ أم إنها سائرة إلى الضلال غير أبهة لما ستؤول إليه الأمور، هل فعلا تظن أنها فعلا تستطيع أن تمحو معالم فلسطينيي البلاد وحضارتهم تدريجيا؟

هل تظن المؤسسة فعلا أن عرب البلاد سئموا تعاليمهم الدينية ومعالمهم العروبية الفلسطينية، وأتت لتكرم عليهم بمنظومة اجتماعية ذات مرجعية صهيونية حديثة.

إن الأذان هو معلم من معالم الحضارة الإسلامية وأي مساس به هو مساس بالمسلمين والعرب جميعا، فلا يعقل أن تتمادى السلطة حتى على الأذان، معتبرة أن حججها بحق الآخر بالهدوء هي حجج مستندة على قوانين، أمر يستحق لأجله خفض صوت الأذان.

هل فعلا تعتبر إسرائيل الاذان ضررا بيئيا؟ وهل فعلا اجتمعت أذرعها وناقشت فعليا الأمر؟ فعلا أن لم تستح فافعل ما تشاء، وبرأيي المتواضع إن مر مثل هكذا قانون سيجر خلفه الكثير من القوانين التعسفية العشوائية العنصرية، والتي تستدعي رص الصفوف للوقوف صفا نضاليا واحدا لكبح جماح مثل هكذا تشريعات تعلو كل إثنين وخميس.

لم يجرؤ أحد على ذلك حتى في خضم المعارك التاريخية ضد الإسلام، فالدين له خاصيته بعيدا عن النزاعات والأطماع بين الشعوب والأنظمة. فكل محاولة للمساس بالمعالم الدينية تاريخيا، ولدت احتقانا، كانت نتيجته مأساوية، فمثلا عندما أحرق بعض مؤيدي النظام الشيوعي الكنائس في أوائل العشرينات، لم ترحم هذه الشعوب النظام الشيوعي فيما بعد، كذلك الأمر عندما تجرأت أذرع الغستابو على معابد اليهود قامت الدنيا ولم تقعد وكلنا يعي اليوم ما وصلت به الأمور بهذا النظام.

ألم يكن الأحرى بهؤلاء على ملاحقة من يقومون بالاعتداء على كنائس ومساجد شعبنا؟ ألم يكن الأجدى تتوقف الحكومة عن إشعال النار الدينية من خلال الاقتحامات اليومية التي تقوم بها عصابات المستوطنين؟ 


تصميم وبرمجة: باسل شليوط