في غرفة التحقيق... شكل آخر من المواجهة

لن أخوض الآن في كل تفاصيل التحقيق، ربما سأفعل ذلك حين يحين الوقت، وحين يصبح الأمر متاحًا. ولكن سأذكر تفاصيل، لها علاقة بالسياق السياسي الذي أثرته مع المحققين، منذ البداية في محاولة لأضع النقاط على الحروف، ولأذكّر جهاز الشرطة الإسرائيلي بسياق القمع الذي يتحرك في إطاره وبإيحاء منه.

كان عليك أن تتماسك، كما اعتدت في تحقيقات سابقة خاصة في أواخر السبعينات وعلى طول الثمانينات حول النشاط السياسي، وأن تظهر رباطة جأش، رغم الشعور بالغضب والاشمئزاز من طبيعة الاتهامات التي تواجهها للمرة الأولى خلال حياتك السياسية. وهي مواجهة سياسية مغلّفة باتهام بارتكاب مخالفة قانون تمويل الأحزاب.

وقد أثقل عليّ كثيراً نبأ اعتقال المزيد من قيادات الحزب (39 معتقلا)، وهم من خيرة أبناء هذا الشعب، الذين يكرسون جلّ وقتهم لخدمة الحركة الوطنية. وتأكد لدي أن الهدف هو 'تقويض الحزب كليا'، ولكن لم تخالجني ذرة شك، بأنهم لن ينجحوا في ذلك. وتأكد ذلك، حين عرفت في الأيام الأخيرة، حملة التضامن الواسعة، ووقوف مختلف القوى السياسية إلى جانب الحزب. وعندما نجح من بقي من قيادات الحزب في الخارج، في صدّ الحملة والقيام بحملة مضادة.

رفضتُ أن تكون المواجهة بيني وبين المحقق امتدادًا لسياق تغييب الوعي الذي يُمارَس علينا كفلسطينيين بصورة منهجية، بل هي امتداد للصراع الدائر خارج غرفة التحقيق وغرفة الاعتقال، في أشكال وصور مختلفة. حين أصرّ المحقق على رفض السياق السياسي والتمركز في الاتهامات الجنائية (جمع تبرعات لحزب التجمع بشكل غير قانوني). أجبت: 'بغض النظر ما إذا كانت قد حصلت مخالفات للقانون أو لا، فإني لا أرى ما يجري الآن بيني وبينك سوى امتداد للمواجهة الجارية في الخارج'. ففتح عينيه باتجاهي مندهشاً، ومنتظراً لأكمل.

وبعدها دخلت، عنوة، في مداخلة سياسية، شاملة، مضطراً المحقق إلى أن يرفع أصابعه عن لوحة مفاتيح الكمبيوتر، مسندًا ظهره إلى الكرسي ليصغي وإلى جانبه محقق آخر. بدا صبورًا أو ربما فضولياً منشدّا إلى مداخلتي/ مجادلتي التي على ما يبدو فاجأته. وراح يستمع أكثر مما يعلق أو يُعلق أو يُجيب.

جادلته ردًا على رفضه قولي إن ما يقومون به جزء من حملة قمعية مستمرة ومتصاعدة ضد التجمع وضد الحركات السياسية العربية. ضبطت غضبي الداخلي الشديد، واستبدلته بكلام سياسي لاذع: 'هل يعقل أن لا يكون الهدف سياسيا من وراء حملة الاعتقالات هذه غير المسبوقة لقيادات حزب قانوني، التي تم التجنيد لها مئات من أفراد الشرطة، ويتم اعتقال هذا العدد الكبير من قيادات وكوادر الحزب بعد منتصف الليل، بحجة ارتكاب مخالفات مالية. هل كنتم ستفعلون نفس الشيء مع حزب إسرائيلي؟'.

أجاب بحرج: ربما.

قلت: بالتأكيد لا. لم تفعلوه في الماضي مع أي حزب إسرائيلي، ولن تفعلوه لا في الحاضر ولا في المستقبل.

أكملت: 'إذا كان حرصكم على القانون والنظام احتاج منكم إلى بذل كل هذا الجهد والموارد لتلاحقوا حزبًا صغيرًا في إسرائيل، ومنذ حوالي عام أو أكثر، لماذا لا تبذلون عشرة في المئة من هذا الجهد لإنقاذ المجتمع العربي الفلسطيني من العنف، لماذا لا تجمعون السلاح الذي يستعمله الناس ضد بعضهم البعض! لماذا لا تحاربون الإجرام المنظم في بعض البلدات العربية! لماذا لا تحاربون بجدية ظاهرة المخدرات! إنّ كل هذه المظاهر تنتشر بسبب سياسة التمييز العنصري المنهجي، والحصار المادي والجغرافي والإفقار لبلداتنا العربية. نحن نجمع هذه التبرعات، القانونية، لتعزيز دورنا السياسي والاجتماعي في محاربة هذه الآفات ولتعزيز دورنا السياسي في الحفاظ على وجودنا وهويتنا. أنا متأكد لو أن التبرعات التي نجمعها تذهب إلى شراء المخدرات أو وسائل لقتل بعضنا البعض لما سألتم عنها ولما قمتم بهذه الحملة الهستيرية، فقط لأنها تُسند عملنا السياسي الذي يُغضبهم.

أجاب مدافعاً: ولكن الشرطة بدأت منذ شهرين بجمع السلاح.

فقلت: لا أحد يصدّق أنكم جديّون، لأنّ هذه المظاهر العنيفة والخطيرة، طالما لا تهدد أمن الدولة فإن هذا الواقع سيبقى على ما هو.

المحقق: الشرطة تعاني من نقص في الموارد، وهذا هو سبب التقصير.

جوابي: لا أحد في المجتمع العربي يقتنع بذلك، هل تعرف لماذا نجمع التبرعات، ونحن نفعل ذلك بشق الأنفس، حتى نخفف من الضائقة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لمجتمعنا التي تتحمّلون المسؤولية المباشرة عنها. إن جمع التبرعات هو واجبنا الأخلاقي والسياسي والإنساني، وسنواصل جمع التبرعات، وفق القانون، للمساهمة في مساندة مجتمعنا، هذا واجب الأحزاب السياسية التي يتعرض شعبها للاضطهاد والحرمان.

المحقق منسحباً (وبهدوء): نحن نعرف أنكم تستعملون هذه التبرعات لأهداف جيدة، ولا نوجه لكم تهمة بأنكم أخذتم الأموال لجيوبكم، كما فعل رجال حزب ليبرمان الذين أخذوا الأموال لجيوبهم. ولكن نحن كشرطة، حياديون ونقوم بواجبنا بصورة مهنية.

جوابي: أنتم جزء من نظام سياسي عام يقمعنا ويضطهدنا. أنتم أداة في هذا الجهاز، وكعربي وبسبب تجربتنا المُرة معكم كشرطة، لا أستطيع إلا أن أراكم في هذا السياق، وبالتالي لا ثقة لي بهذا الجهاز. لدي أمور كثيرة سأقولها في المحكمة.

المحقق: دعك من ربط كل شيء في السياسة والعنصرية. أنتم ارتكبتم مخالفات ودورنا في الشرطة التحقيق فيها.

سؤالي: هل تنكر أن بنية النظام القائم في إسرائيل عنصرية... أنا أفترض أنك من أصول شرقية.

المحقق: نعم. أنا أصلي من المغرب.

سؤالي: هل تعرف العربية؟

المحقق: لا.

سؤالي: هل يتحدث والدك ووالدتك العربية؟

المحقق: نعم.

سؤالي: أفترض أنك تدرك سبب عدم اتقانك العربية مع أنها لغة الأم.

المحقق: نعم، هذا خطأ أني لا أعرف العربية.

جوابي: أقول لك أن النظام الأشكنازي في إسرائيل، محا هويتك، ومحا لغتك، لأنه نظام عنصري، هدف إلى قطع أي صلة بينك (أنتم الشرقيون) مع العرب. هذا هو النظام القمعي نفسه الذي يمارس علي كعربي فلسطيني، سياسة القهر والتدمير المادي والثقافي.

المحقق: دعنا نترك السياسة والفلسفة، أنا استمتع جداً بما تقوله، وأنا عادة لا أُثني على أحد. ولكنكم خالفتم القانون، وأنا أتوقع منك كمسؤول عن الحزب، وأنت الشخصية المركزية أن تعترف وتتعاون مع الشرطة. أنت لن تستطيع التنصل من مسؤوليتك كأمين عام سابق وكرئيس حالي للحزب. نحن نعرف من أنت.

رفضت توجهه. وانتقل إلى الأسئلة المتصلة بالمخالفات واستغرق ذلك 4-6 ساعات يوميا على مدار 11 يومًا من الاعتقال.

(من المهم أن أذكر أنه في حديث تطور تلقائياً مع مُحقق آخر، قال بوضوح رداً على اتهامي لحملة الشرطة ضدنا، بأنه لو لم يصدر أمر من المستشار القضائي للحكومة لما دخلنا هذا الملف بسبب قلة الموارد ولأن هناك ملفات أكبر وأخطر في إسرائيل).

***

خطة واضحة لتصفية الحركات الوطنية

لقد بات واضحًا للقوى السياسية وللأُطر الفاعلة ولجماهيرنا، أن هذه الحملة القمعية، تحت غطاء سوء إدارة مالية جاءت استمراراً وتصعيداً لحملة الملاحقة والتحريض ضد المواطنين العرب وحركاتهم السياسية.

كل فلسطيني وكل أجنبي مهتم بالشأن الفلسطيني يتابع سيرة الملاحقة ضد التجمع الوطني، وحملات التحريض الدموية، والتي يقودها رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو. وفي العامين الأخيرين تكثفت الحملة، وتراكمت المقدمات التي أشارت إلى ما يخطَط للتجمع، والعديد من المراقبين كانوا يقولون علنًا وخاصة بعد حظر الحركة الإسلامية، إن 'الدور على التجمع'. ولذلك فإن الخطوة القمعية التي نفذتها المؤسسة الإسرائيلية لم تكن مفاجئة تمامًا، ولكن المفاجأة هي في مضمون الحملة وحجمها. لقد اختارت الشرطة والمخابرات أسلوباً دنيئاً ظناً منها أنه ناجع في تشويه سمعة التجمع الوطني بين الجمهور العربي. لقد تميّزت سيرة التجمع بعد فترة وجيزة من تأسيسه بالمواجهة السياسية والفكرية الحادة مع المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها وأبواقها. تمثلت في محاولات الشطب من المشاركة في انتخابات الكنيست، إلى محاكمة عزمي بشارة وملاحقته التي وصلت ذروتها في فبركة تهمة أمنية (التعاون مع حزب الله أثناء الحرب) عام 2007. إن التجمع هو مُطلق برنامج تحدي يهودية الدولة مطالبا بتفكيك مبناها العنصري والكولونيالي.

'نحن على مفترق طرق جديد، وهذا يُلّح علينا بابتكار جديد، لأن المواجهة مستمرة وتزداد خطورة'

وأثناء فترة الاعتقال، وعلى هامش عملية التحقيق، كان يكرر بعض المحققين السؤال الخبيث: 'لماذا لا يعود عزمي بشارة ويحاكم على تآمره على الدولة'. وهو سؤال استفزازي يسمعونني إياه عادة على الحدود أو في المطار. وهو ما يدل على استمرار الحقد على عزمي بشارة بسبب استمرار اهتمامه بأبناء شعبه.

 لقد ظنت إسرائيل أن التخلص من عزمي بشارة يُمهّد إلى اختفاء حزب التجمع. ولكن فوجئت المؤسسة الإسرائيلية بأن الحزب واصل تجذره بين الناس. وفوجئت أيضاً بمضيه وإصراره رغم كل الهجمات عليه، على رؤيته السياسية والفكرية وعلى خطابه الوطني المدني التحرري.

  لقد بات واضحاً أنه حين تعجز إسرائيل عن مواجهة نضال مدني وخطاب ديمقراطي يتحدى يهودية الدولة ومبناها الكولونيالي، تلجأ إلى 'الأمن' وإلى الجوانب المالية.

***

ليس الأسلوب بل السياسة

ليس أسلوب السياسيين العرب داخل الخط الأخضر هو الذي يفاقم النزعة العدوانية ضدهم، ولن يُجدي تخفيف لهجتهم، أو يُؤدي إلى منح العرب حقوقهم. لقد جرى وضع هذه السياسة وممارستها على مدار الساعة منذ النكبة، في الوقت الذي كان معظم المواطنين العرب يصوتون للأحزاب الصهيونية بهدف النجاة من الطرد. إن الإنجازات المادية والتعليمية والثقافية والسياسية التي بدأت تتحقق منذ أواسط السبعينيات، جاءت وتراكمت بعد انطلاق صوت المواطنين العرب الجماعي، وخروجهم من السلبية إلى الفعل والتحدي. كان نظام الأبارتهايد الصهيوني يريد أن يبقى العرب صامتين، غير فاعلين، وأن لا يزعجوا الإسرائيليين وهم يواصلون قضم الأرض، وطمس الهوية، وتدجين الشباب الفلسطيني، وبناء المستوطنات، وتحويل بلداتنا إلى غيتووات، بلا أفق للتوسع والتطور الطبيعي.

وحين كسر العرب صمتهم، وبدأوا يعبرون عن مواقفهم الواضحة والقوية، وينزلون إلى الشوارع، طولبوا بتخفيف صوتهم وتخفيف لهجتهم وسقف مطالبهم، حتى لا تعكّر هذه اليقظة الجماعية صفو المستعمر، الذي أصرّ على التعامل مع الفلسطينيين في إسرائيل كرعايا وغرباء، لا كمواطنين متساوين.

لا يكتفي المستعمر بتراجع النضال الشعبي ضد مصادرة ما تبقى من أرض وضد هدم البيوت، وضد حصار البلدات العربية جغرافيا، وإفقارها اقتصاديا. وهو تراجع نعاني منه في السنوات الأخيرة. إن المستعمر يبغي إسكات صوت الضحية، بل إخفاءها حتى لا تكون شاهدًا على جريمته، وعلى تناقضات الصورة التي يرسمها عن ذاته أمام الغرب الأوروبي والأميركي. وهي صورة ساهمنا كقوى وطنية وأُطر عربية مستقلة في تمزيقها عبر جولاتنا في الساحة الدولية. هذا فضلاً عن دورنا كقوة وطنية في إعادة بناء الخطاب الوطني الفلسطيني التحرري وتطوير العلاقة مع جميع تجمعات شعبنا الفلسطيني. لذلك هو يخشى أيضا صوتنا العالي وخطابنا السياسي الوطني الصلب، موقفنا التمسك بالرواية الوطنية الجامعة وما يترتب عليها من مستلزمات العمل للحفاظ عليها، كإحياء ذكرى النكبة، ومكافحة الخدمة الوطنية الإسرائيلية، ومقاطعة جنازات قادة الدولة العبرية، وزيارة أُسر الشهداء الفلسطينيين، وفضح الفكرة الصهيونية باعتبارها مصدر التمييز واستعمار الأرض والسيطرة على الإنسان، والمشاركة في نضال شعبنا للتخلص من الاحتلال.

هاجس الخوف

منذ عقود تعيش إسرائيل، وعبر ائتلافها الحاكم، هاجس الخوف من النمو الدمغرافي للفلسطينين في إسرائيل، وفي العقدين الأخيرين تحوّل إلى خوف من تصاعد مكانتهم السياسية وحضورهم في الساحة الدولية. وهذا ما تنشغل إسرائيل فيه علنًا، وعلى عكس ما كان عليه الأمر في حقبة سابقة حين اعتمدت إسرائيل الدهاء والخبث في ممارسة الاستعمار والقمع. وهي تُبلور مؤخرًا استراتجيّه جديدة في التعامل مع 'الأقلية الفلسطينية'، وتشمل ركيزتين، الأولى: نهج الاحتواء عبر الإعلان عن ضخ ميزانيات كبيرة نسبيًا إلى المجتمع العربي، ليس بهدف خلق 'اقتصاد منتج'، بل تجاوبًا مع شروط منظمة OECD التي ربطت استمرار عضوية إسرائيل فيها برفع مستوى دخل الفرد، وهذا يتم فقط عبر تحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين العرب.

والركيزة الثانية: العصا، أي القمع المباشر، عبر تصعيد ملاحقة الحركات السياسيه وحظر بعضها، والتضييق على بعضها الآخر، وشن حملات تحريضية منهجية ودموية بهدف إزالة بعضها كليا من المشهد السياسي، وإضعاف حركات أخرى من خلال تخويف الناس وإبعادهم عنها.

طبعا هذا القمع يترافق مع تصعيد ومواصلة سنّ القوانين العنصرية السافرة التي تقيّد حرية التعبير والعمل السياسي، وتجريمه.

إنها معادلة جديدة قديمة تسعى إسرائيل إلى تمريرها مستغلة ظروف المنطقة وظروف الساحة الفلسطينية الكارثية.

هذه المعادلة هي معادلة مقايضة الحقوق الوطنية بحقوق مدنية (ميزانيات للتعليم وللبنى التحتية) وتوسيع جزئي لمسطحات القرى والمدن وغيرها، أي نزع الهوية الوطنية والطابع الوطني عن نضالنا كمجموعة قومية أصلانية.

لا يجب الاستخفاف بآثار هذه السياسة على المواطنين العرب، وعلى شرائح في أوساط الهيئات القيادية وممثلي الجمهور العربي. وتتجلى هذه الأثار السلبية في الانسياق وراء الدعاية الخبيثة والترهيبية الإسرائيلية وخروج أصوات من بين ظهرانينا تدعو إلى 'التعقل' وإلى عدم إغضاب الحكم الإسرائيلي، وإلى خفت الصوت، أو إخفائه، الذي يشدد على الهوية الوطنية والموقف السياسي الصلب في مواجهة مخططات التدجين والأسرلة، وسياسيات الحروب العدوانية ضد شعبنا الفلسطيني.

لقد تمكن المواطنون العرب عبر العقود الثلاثة، من إعادة تأكيد أنهم مجموعة قومية لها جذورها التاريخية في الأرض، وفرضوا أنفسهم على ساحة الصراع الوطني. ولهذا تتعرض قيادات وممثلو الجمهور الفلسطيني في إسرائيل لضغط هائل، معنوي، من قبل المؤسسة الإسرائيلية وائتلافها الحاكم. إنّ اتهامهم بالتطرف وعدم التسليم بيهودية الدولة (أي بالامتيازات اليهودية حتى لو تمت تسوية مع السلطة الفلسطينية) ودعم 'الإرهاب الفلسطيني'، يتصاعد ويترافق بتهديدات بنزع الشرعية عن وجودهم وعن نضالهم السياسي، بل بتهديدات دموية، هذا فضلًا عن التلويح بالطرد أو الترانسفير الذي بات خطابًا شرعيًا في إسرائيل.

إن نظام الأبرتهايد الإسرائيلي الذي يعتقد أنه هزم المشروع الوطني الفلسطيني، وأخضع السلطة الفلسطينية وأجبرها على قبول اختزال الصراع بأنه نزاع على حدود، وليس صراعا تحرريا من نظام استعماري استيطاني، وبالتالي الهبوط بالخطاب الوطني والتخلي عن مكوناته الأساسية، كان يتوقع أن تلحق القوى السياسية الفلسطينية داخل إسرائيل بهذا النهج وتختزل نضالها في سياق مدني وخطاب مبتور. ورأينا كيف تشن هجوماً على قيادات الأحزاب العربية لأنها رفضت المشاركة بجنازة أحد أقطاب الدولة العبرية، شمعون بيرس، في حين رئيس السلطة أبو مازن يشارك فيها.

وتسعى أبواق المؤسسة، إلى دق أسافين داخل القوى السياسية العربية، وداخل القائمة المشتركة. لقد جرى تصنيف الحركة الإسلامية الشمالية كحركة متطرفة وتساند الإرهاب ( بسبب موقفها المساند لقضية القدس والأقصى، ودعمها المالي لعوائل الشهداء)، وتزداد محاولاتها المحمومة لتصنيف التجمع الوطني الديمقراطي كحزب متطرف، وبأنه هو الذي يدفع القائمة المشتركة إلى اعتماد خط سياسي راديكالي، وتدعو بعض الأبواق صراحةً القائمة المشتركة إلى التخلص من حزب التجمع. وما يغضب المؤسسة الصهيونية، أنه رغم الاختلافات السياسية والاجتهادات الفكرية، فإن القائمة المشتركة متماسكة وموحدة حول الموقف من النزعة العدوانية الإسرائيلية تجاه المواطنين العرب.

إن هذه الوحدة، رغم التناقضات داخلها، تستمد ديناميكيتها واستمراريتها من النزعة العدوانية التي تشمل حقوق المواطنين العرب الأساسية، والتي لم تعد تُفرق كثيراً بين الحركات السياسية.

نحن على مفترق طرق جديد، وهذا يُلّح علينا بابتكار جديد، لأن المواجهة مستمرة وتزداد خطورة.

لا تراجع.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط