إسقاط الـF-16 بين محض الصدفة وكسر التوازن

 

قد يكون الخبر الأكثر طرافة في العاصفة السياسية والاعلامية التي أثارها إسقاط طائرة F-16 الإسرائيلية، هو الخبر الذي أفاد أن الطائرة سقطت في أرض تابعة للمساعد البرلماني للنائبة حنين زعبي. صحيفة "معاريف" الإسرائيلية التي نشرت الخبر، الإثنين، نقلا عن القناة العاشرة، أفادت أن التجمع نفى الأنباء التي ترددت عن اعتزام المساعد المذكور رفع دعوى قضائية ضد سلاح الجو الإسرائيلي، لتعويضه عن الأضرار التي لحقت بحقل القمح التابع له نتيجة سقوط الطائرة فوقه. ويأتي توجه التجمع آنف الذكر، على ما يبدو، انسجاما مع نية كافة أطراف النزاع احتواء الموقف ومنع انزلاق الامور نحو مواجهة شاملة.

وإلى الجانب الأكثر جدية في الموضوع، فإن الإرباك الذي أوقعته عملية اسقاط طائرة الـ F-16 في إسرائيل بمستوياتها السياسية والعسكرية والجماهيرية، يؤكد مقولة شعبية طالما ترددت وجرى تناقلها من جيل إلى جيل، تفيد بأن قوة إسرائيل تنبع من ضعفنا نحن العرب والفلسطينيين، فهي تستقوي علينا لأننا ضعفاء، بينما يظهر كم هي ضعيفة وهشة عندما يتجرأ أحدنا على تجاوز هذا الضعف عبر امتلاك إرادة المواجهة.

لقد حدث ذلك في بدايات حرب 1973 بانهياراسطورة خط بارليف على الجبهة المصرية وتهاوي أكذوبة التفوق الجوي بسقوط عشرات الطائرات على الجبهة السورية، ثم حدث خلال أسطورة الصمود التي سجلها المقاتلون الفلسطينيون على مشارف قلعة الشقيف في الجنوب خلال حرب لبنان الثانية، وتكرر في الصمود الأسطوري لمخيم جنين خلال حرب "السور الواقي"، كما تبدأ بوضوح أكبر في حرب تموز 2006 التي أصابت صميم العمق الإسرائيلي.

السؤال الذي تبادر إلى ذهن الكثيرين منا ونحن نرى طائرة الـF-16 تحترق، هو لماذا كان يجب أن ننتظر 50 سنة أو 30 سنة أخرى حتى نشهد مثل هذا المنظر، وماذا كانت تفعل هذه الجيوش كل تلك العقود الطويلة التي أدمنت خلالها على تلقي الضربات واستيعابها دون أن تمتلك الإرادة لرد العدوان إلى نحر المعتدي ورد الصاع صاعين، وهو أمر لو حدث منذ البداية لما تحول إسقاط طائرة إسرائيلية إلى حدث غير عادي، بل إلى حدث تاريخي بكل المقاييس عوضا عن أن يكون روتينًا يوميًا يستتبع أي ضربة إسرائيلية لأراض سورية أو عربية أخرى.

لقد أشبعونا كلاما عن تفوق سلاح الجو الإسرائيلي حتى حرب 73، قبل أن نرى طائراته تسقط كالجراد في الحرب التي سقط فيها على الجبهة السورية وحدها 108 طائرات وتم أسر 40 طيارا، حيث جرى تجاوز عقدة الهزيمة التي وقعت في حرب 67 خلال أقل من ست سنوات فقط وذلك عندما توفرت إرادة للقتال ورد الاعتبار، بل إن القتال بدأ مباشرة في حرب الاستنزاف التي أرهقت إسرائيل، وخلال بضع سنوات جرى بتر ذراع إسرائيل الطويلة المتمثلة بسلاح الجو والتي حسمت حرب 67.

إرادة القتال التي توفرت لعبد الناصر حولت هزيمة 67 إلى رفض وصمود، ترجم في لاءات الخرطوم وصنعت الانتصار ورد الاعتبار في تشرين الأول/ أكتوبر 73، بينما رأينا كيف حول نهج كامب ديفيد الانتصار إلى اندحار واستسلام لم تقم للعرب الذين خيم عليهم ليل طويل بعده قائمة منذ نصف قرن، وأصبح فيه مجرد إسقاط طائرة إسرائيلية يوم عيد قومي.

ما أردت قوله، إنه مثلما نجحنا في إيجاد الدواء للداء الإسرائيلي، المتمثل بالتفوق الجوي خلال بضع سنوات، كان من الممكن ايجاد الدواء مجددا في أقل من خمسين سنة، هي الفترة الفاصلة بيننا وبين حرب 73 ظل خلالها هذا الطيران يعربد في سماء دمشق وبيروت وغيرها من العواصم العربية التي لم تعقد اتفاقيات سلام مع إسرائيل، لو توفرت إرادة القتال الحقيقية التي توفرت لعبد الناصر.

السؤال الذي يسأل بعد إسقاط الطائرة فهو هل هي فعلا محطة فاصلة، بمعنى امتلاك تقنيات متطورة شبيهة بتلك التي امتلكها العرب عام 73 ووضعت حدا للتفوق الجوي الإسرائيلي وهو ما يمكن اعتباره كسرا للتوازن، أم هي حالة موضعية محصورة بظروفها وحيثياتها بمعنى إطلاق كمية كبيرة من صواريخ غير متطورة أحدثت مفعولا لمرة واحدة، وعلينا أن نذكر في هذا الشأن أن هناك بونًا شاسعًا بين التحليل وبين الواقع.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط