العنف والجريمة وما بينهما

استفحل ويستفحل المنطق المثقوب للكثير من قيادات مجتمعية وسياسية وثقافية، في أعقاب كل جريمة عنف وقتل تتكرر على مستوى العنف الداخلي والجريمة المستفحلة في المجتمع العربي، التي هددت وتهدد بنياننا المجتمعي وكينونتنا كما يراد لها من قبل المؤسسة الرسمية المتشفية منذ سنوات طوال. ويجتهد الأكاديميون والقياديون والغيورون العرب ليغمرونا بتسويغاتهم وتحليلاتهم دون معنى أو جدوى، وربما لرفع العتب وتبرئة الذمة تمهيدا للانتخابات المحلية والعامة للكنيست القادمة ليس أكثر ولا أقل.

نتهم السلطة الرسمية وأجهزتها تارة، ونتهم أنفسنا كأهالي على المستوى التربوي ومؤسساتنا التعليمية والتربوية تارة أخرى، توخيا للموضوعية المصطنعة والمبتذلة. لكن من الجدير بالإشارة أن بين العنف والجريمة بونا شاسعا، بمعنى أن العنف هو ظاهرة مجتمعية قائمة منذ الأزل بين الأفراد وبين العائلات والجماعات البشرية والقبائل التي كانت تحكمها معايير واعتبارات مجتمعية وأخلاقية، تنتهي بإحكام الحق والشريعة، لكن الجريمة في دولة حديثة ودولة قانون كما حالنا في الدولة العبرية لها معنى آخر وأبعاد أخرى، يراد لها أن تتفشى لتأكل الأخضر واليابس في سبيل التآكل الداخلي المدمر، بعد الفشل في تمزيقها لتسهيل عملية السيطرة وتكريس عوامل القوة والسيطرة التي عجزت عن تحقيقها المؤسسة الرسمية وكل أجهزتها في تحويل عرب الداخل إلى "سود أميركا".

إذا كان العنف هو ظاهرة مجتمعية اقتصادية معيشية وتربوية تستوجب استعادة تربية أنفسنا ورعاية أبنائنا، فقد يكون ذلك من الممكن وقد نتغلب على عوامل إنتاج هذه الظاهرة، أما الجريمة فهي صناعة أخرى تتسم بطابع عائلات وعصابات الإجرام المتصلة بالمؤسسة الرسمية وأجهزتها وقوانينها وأداء أجهزتها بتكوينها المركب، والمطالبة بقطع دابر الجريمة من محاربة عالم الإجرام وتطبيق القانون وحماية المواطن.

إذا كانت هذه الإشارات من البديهيات، فإن أداءنا السياسي، الاجتماعي، الثقافي والعملياتي لا يرقى لأدنى مستوى من الأداء والعلاقات، والتنسيق بين ممثلي شعبنا لم يرتق بالمقابل، وشُغلوا عن أهم القضايا بفتات ستضعهم أمام منتخبيهم للمحاكمة، وعلى أبناء شعبنا محاسبة كل من تعالى على جراح المواطن ووجعه الرئيسي ومصالحه العليا مقابل فتات رخيص.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط