المسؤولية الوطنية والسلم الأهلي

يتميز المجتمع الفلسطيني في أراضي الـ48 بالعديد من الصفات والقدرات الخاصة التي تميزه عن باقي المجتمعات، حيث أنه رغم كل الظروف القاهرة وسياسات القمع والتهميش، إلا أنه في حالة تطور دائم ولو كان بطيئا. لكن المواطن العربي في هذه البلاد يتميز بقدرته على التطور والمثابرة والمواجهة، فمحبة الوطن والشعور بالانتماء يعزز لديه روح العطاء والتحدي لرفعة مجتمعه.

وقد تجاهلت المؤسسة الصهيونية على مدار سنوات أن لعرب البلاد ثقافة ولغة خاصة، ولهم مطالب كشعب واحتياجات خاص، وتعمدت تجاهل ذلك لتجذب عرب البلاد إلى الانصهار بالمجتمع الإسرائيلي مرغمين، كما حاولت سلخ المجتمع الفلسطيني في الداخل عن امتداده العروبي والفلسطيني. إلا أنهم تفاجئوا من أن الفلسطيني حافظ على فلسطينيته وعروبته، رغم سياسات التجهيل والقمع.

وبات جليا أن المجتمع الفلسطيني في الداخل هو مجتمع واع يحب وطنه وشعبه، وعمل ضد كل الظروف للمحافظة على ثقافته وحضارته بشكل ذاتي داخل المؤسسات الرسمية الموجهة، التي وبالرغم من قوتها إلا أنها لم تقو على تشويه هوية الفلسطيني ولا على سلخه عن امتداده العروبي.

ولطالما عملت القيادات والجماهير في الداخل على الحفاظ على السلم الأهلي بمسؤولية قصوى، رغم التعددية الفكرية والحزبية. ونجحت في ذلك، ورصت الصفوف في المواجهات، وعززت روح الانتماء لدى كل فرد في الداخل. وهكذا نجحت ببناء مجتمع فلسطيني واع يعمل جاهدا لرفعة مجتمعه في الميادين الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، الأكاديمية وغيرها من الميادين.

وخلال عقود الصراع الفلسطيني – الصهيوني، ظهرت قيادات فلسطينية وطنية عملت من خلال برنامج وأجندة شعبية ونأوا بأنفسهم عن اعتبارات شخصية وفئوية، بحيث لم تعد المؤسسة تقوى على قمع هذا الشعب وهذه القيادة، واضطرت المؤسسة رويدا رويدا إلى تنفيذ بعض من مطالب هذه القيادات وجمهورها.

لكن مع ظهور النجوم الجدد بيننا، الذين عملوا على تأليه أنفسهم وشخصنة المشروع الوطني، أو حددوه لفئة معينة وفضلوها على أخرى، فقد فتحوا البوابة على مصراعيها وبتنا مجتمعا مخترقا يعاني الأمرين.

إن ظاهرة اعتلاء قادة افتراضيين موسميين لخدمة أجندة فئوية آنية، كالانتخابات واعتباراتها الضيقة، ضعضعت ثقة الجمهور الواسع بالقادة والأحزاب وأدخلته في دوامة وعبثية، ما أن يخرج واحدة إلا دخل أخرى.

ومن باب المسؤولية الوطنية يجب على القيادات التحلي بالمسؤولية والعمل على اجتثاث الانتهازيين من بينهم، لأن القضية أكبر بكثير من انجاز انتخابي هنا وهناك. فبسبب هؤلاء ترى أن المجتمع الفلسطيني في الداخل يمر بحالة عبثية بالإضافة لفقدانه للثقة بهذه القيادات.

لكن الجمهور الفلسطيني في الداخل يعي جيدا ما يدور حوله، وسيحاسب هذه القيادة إن لم تجتث المشاريع الشخصية والفئوية. كما أن المرحلة تحتم عليهم، من باب المسؤولية الوطنية، أن يترفعوا عن الخلافات الضيقة وعن التقسيم الفئوي لقوائمهم الانتخابية، التي هي أصلا ما يعزز التفرقة.

لقد أراد الشعب "المشتركة" لتحمل همه، لا لتحمل مشاريعكم الشخصية والفئوية، فعندما تحمل الأحزاب والمشتركة المشاريع الشخصية والفئوية وتفضلها على القضية، فعلى الدنيا السلام.

إلا أني ما زلت مؤمنا أن الخير فينا، وما زال الأمل موجود، ولا بد أن يعلو صوت الحق, كقول رسول الله: {لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ, قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ: قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ‏.}


تصميم وبرمجة: باسل شليوط