بن غوريون والترانسفير بأي ثمن!

 

من حظنا، نحن الفلسطينيين والعرب، أن الأدبيات الإسرائيلية، الصهيونية وغير الصهيونية، تقدم لنا كل بضع سنوات وقائع وأدلة قديمة/ جديدة، يتم نشرها بعد الإفراج عن برتوكولات جديدة من الأرشيف الإسرائيلي الخاص بالحكومة الإسرائيلية أو المنظمات الصهيونية العسكرية وغير العسكرية السابقة على قيام الدولة العبرية.

ورغم علمنا أن الفائدة التي تجنيها إسرائيل وباحثوها وسياسيوها، هي أكبر بكثير من التي نجنيها نحن جراء هذه الكشوفات، وإلا لما يتم الإفراج عن تلك الأرشيفات أصلا؟، فإننا نعزي أنفسنا بتأكيد بعض الحقائق المعروفة لنا، والتي خبرناها على جلودنا وجلود آبائنا، بلسان قادة الصهيونية أنفسهم وبذلك يصح القول "من فمك أدينك".

في هذا الباب يندرج كتاب الصحفي والمؤرخ الإسرائيلي، توم سيغف، الذي صدر مؤخرا تحت عنوان "دولة بكل ثمن - سيرة حياة دافيد بن غوريون"، والذي يتناول فيه الكاتب بعض الحقائق الجديدة في سيرة حياة الزعيم الأول ومؤسس الدولة اليهودية دافيد بن غوريون، بينها أسرار شخصية وغرامية لا شأن لنا بها، وبينها أفكار وخطط سياسية جدير بأن تحظى باهتمامنا.

في هذا الشأن يكشف وينشر سيغف، خارطة رسمها دافيد بن غوريون وقدمها للإدارة البريطانية عشية صدور قرار التقسيم عام 1947، وتم العثور عليها في الأرشيف البريطاني، لافتا إلى أن الخارطة شبيهة جدا بحدود الخط الأخضر التي أنتجتها "حرب 1948/ النكبة"، ما يعني أن بن غوريون كان قد رسم في رأسه نتائج الحرب قبل وقوعها.

العثور على الخارطة المذكورة هو ليس فقط دليل على أن الحلم الصهيوني الذي رسمه بن غوريون وآخرون كان يتجاوز قرار التقسيم، بل هو دليل على أن حدود الطموح الواقعي المشتق من هذا الحلم تتعدى قرار التقسيم إلى نتيجة مرسومة سلفا في رأس بن غوريون وغيره من قادة المشروع الصهيوني، الذين لم يؤمنوا يوما بالوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين، ولعل في ذلك جوابا للذين أشبعونا لوما وجلدا للذات بادعاء أن موافقة العرب والفلسطينيين على قرار التقسيم كانت ستغير مجرى التاريخ الفلسطيني.

وفي هذا السياق، يكتشف سيغف أن بن غوريون قد أعرب في مرحلة مبكرة من حياته السياسية، في عام 1919 عندما أقام حزب "أحدوت هعفودا"، أعرب عن فكرة سيواصل التعبير عنها بطرق كثيرة ورافقته إلى آخر يوم في حياته، وهي استحالة التوصل إلى سلام مع العرب.

وهو يورد على لسانه أكثر من اقتباس لتأكيد ذلك، كقوله في بدايات مشواره السياسي إنه "لا يوجد حل لهذه المسألة، بيننا هاوية ولا يمكن لأي شيء ردمها، نحن نريد أرض إسرائيل كشعب والعرب يريدون هذه الأرض كشعب ولا أعرف أي عربي سيوافق أن تكون أرض إسرائيل لليهود"، وافتراضه لاحقا أن إسرائيل ستواصل طيلة حياتها التعرض لمحاولات إبادة من قبل العرب الذين لن يسلموا بوجودها حتى لو أدركوا أن إبادتها غير ممكنة". لا يوجد شعب يتنازل عن أرضه بخاطره، ولذلك يمكن فقط إدارة الصراع وليس حله".

تلك الأفكار تتصل مباشرة بفكرة "الترانسفير" التي آمن بها بن غوريون منذ بداية طريقه، والتي لاقت ترجمتها، كما يقول المؤلف، بداية في صراعه على "العمل العبري"، والعمل على استبدال العمال العرب بعمال يهود، ثم ظهرت جليا بقوله في ثلاثينيات القرن الماضي "أنا أدعو لنقل سكان عنوة ولا أرى بذلك أي شيء غير أخلاقي".

وفي إطار سعيه المتواصل لربط الخيوط بين "العمل العبري" وتأييد الترانسفير والنكبة، يخلص "المؤرخ الجديد" توم سيغف، إلى أن بن غوريون كان من كبار أنصار فكرة الترانسفير التي رافقت الأيديولوجية الصهيونية منذ بداياتها الأولى، ولاقت ترجماتها المباشرة وغير المباشرة، مرة بإشارة يد كما حدث في اللد والرملة، ومرات بحصار حذوة الحصان الذي يترك منفذا للهرب، وبارتكاب المذابح والصمت على المذابح كما حدث في دير ياسين والطنطورة وعيلبون وغيرها.

 


تصميم وبرمجة: باسل شليوط