كيف يَمُس شتم الحكام العرب بالأمن القومي والفلسطيني؟

تهديد الرئيس محمود عباس، بمساءلة أي قيادي فلسطيني يتعرض بالمس أو التشهير لقيادات دول عربية وتجريمه تحت طائلة بند المس بالأمن القومي العربي والفلسطيني، هو أمر غريب وخطير وجدير بالتوقف عنده.

فهو غريب لأنه ينتهك الأعراف المعمول بها في التعاطي بين عناصر القيادة السياسية في "الدولة"، وبين رأس الهرم السياسي المتمثل بالرئيس، فنادرا ما نشاهد "رئيس دولة" حتى لو كانت دولته ناجزة على الأرض، وليس كما هو حال السلطة الفلسطينية، يلوح لأعضاء فريقه السياسي من وزراء ومدراء وسفراء بعصا القانون "كرمى لعيون" قادة دول أخرى حتى لو كانت صديقة أو شقيقة.

بمعنى أن قواعد التعامل داخل الهرم القيادي تكون محكومة بالعادة بسياسات وتوجيهات والتزامات أخلاقية، وليس بمواد وفصول وبنود القانون الجنائي، فلنتخيل مثلا تقديم قيادات فلسطينية للمحاكمة بتهمة التشهير بـ "صاحب السمو" الأمير محمد بن سلمان أو غيره من أفراد العائلة المالكة في السعودية، الذين يرمي إليهم محمود عباس في تهديده آنف الذكر. ثم إذا ما جرى تقديم شخصيات سياسية للمحاكمة بدعوى إهانة أمير سعودي، فما المانع من تقديم شخصيات معارضة للمحاكمة بتهمة إهانة شخص "فخامة" الرئيس محمود عباس "حفظه الله" أو أحد أفراد "عائلته الكريمة". وطبعا مصطلح التشهير هنا هو تعريف فضفاض، يقصد به أولا وأخيرا انتقاد سياسات تلك الدول وأولئك الحكام تجاه القضية الفلسطينية ومواقفهم من إسرائيل وأميركا.

وهو خطير لأنه لا يسعى فقط لتكريس مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية، سيئ الذكر والذي جلب الويلات للقضية الفلسطينية، بل لأنه يسعى أيضا لمنع توجيه أي انتقاد لسياسة تلك الدول الخارجية المتعلقة بالتطبيع مع إسرائيل والتواطؤ مع أميركا وإسرائيل ضد القضية الفلسطينية، كما هو حاصل مع دول خليجية تقف على رأسها السعودية في الآونة الأخيرة؛ بينما يمنح تلك الدول الحق والحصانة بالتدخل بل والعبث بالقضية الفلسطينية والتآمر عليها كيفما شاءت، وماذا يعني عرض محمد بن سلمان أموالا على شخص محمود عباس، لشراء موافقته على صفقة القرن أو خطة سعودية لتصفية القضية الفلسطينية، ومن يحاكم بن سلمان لتدخله في الشؤون الداخلية الفلسطينية.

كان حري بعباس إذا كانت ارتباطاته بحكام الخليج والسعودية تحول دون انتقاده الصريح لتآمرهم المكشوف على القدس وفلسطين، أن يطلق العنان للقيادات السياسية الفلسطينية الأخرى لتعبر عن الغضب الذي يعتمل في صدور أبناء الشعب الفلسطيني، عوضا عن التغطية على مؤامراتهم التي لم تبدأ بمحاولة بن سلمان تسويق خطة إسرائيلية أميركية تجهز على حق العودة وتبقي المستوطنات، وتمنح للفلسطينيين حكما ذاتيا مقطع الأوصال وعاصمة في أبو ديس، ولن تنتهي بالتطبيع مع إسرائيل عبر فتح أجواء السعودية للرحلات القادمة إليها والمغادرة منها إلى الشرق الأقصى.

تهديد عباس هو محاولة لإخراس الأصوات التي تعبر عن إرادة شعبنا الرافض لمثل هذه المواقف وفضح تعاون أصحابها مع أعداء القضية وأعداء الأمة من المرتمين في أحضان أميركا وإسرائيل، الذين لم ينبسوا ببنت شفة ضد قرار إدارة ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ولا ضد الإعلان عن نقل سفارة أميركا إليها في ذكرى النكبة، الذين انتقلوا بتحالفهم مع إسرائيل من السر إلى العلن تحت ستار ما يسمونه بالخطر الإيراني المزعوم.

وعودة إلى عباس، فلا نستغرب على من يعتبر العمليات الفدائية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه مسا بالأمن الوطني يتوجب التنسيق مع إسرائيل لإحباطه، أن يرى في انتقاد تواطؤ حكام الخليج والسعودية مع إسرائيل مسا بالأمن القومي يعرض صاحبه لطائلة القانون.

وإذا كان الحديث يدور بداية عن قيادات فلسطينية فإنه سينسحب بالتالي على وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ليصل لاحقا إلى وسائل التواصل الاجتماعي ثم إلى الناس في الشارع، حتى يمسي شتم "أصحاب الجلالة والفخامة والسمو" وعلى رأسهم محمد بن سلمان "حفظه الله ورعاه" جريمة يعاقب عليها القانون الفلسطيني.

 


تصميم وبرمجة: باسل شليوط