ليس بالفساد وحده يسقط اليمين!

يبدو أن الواقع الإسرائيلي المشوه يفرز الكثير من المعادلات الغريبة التي لا تقتصر فقط على ارتفاع شعبية نتنياهو وحزبه كلما زاد تورطه في قضايا الفساد وأحكمت دائرة الشبهات حلقاتها حول رقبته، بل تتعدى ذلك إلى انخفاض وتردي شعبية حزب العمل الذي يفترض أن يشكل البديل السياسي لحكم الليكود ونتنياهو.

ويشير الاستطلاع الأخير الذي أجرته القناة الإسرائيلية العاشرة، في أعقاب التحقيق تحت طائلة التحذير الذي خضع نتنياهو وزوجته ساره، إلى أن الليكود سيحصل على 29 مقعدا فيما يحصل معسكر اليمين والحريديم على 64 مقعدا، بالمقابل يهبط حزب العمل إلى 12 مقعدا ويحصل معسكر"اليسار" مع "يش" عتيد" والعرب على 56 مقعدا فقط.

نتائج الاستطلاعات المذكورة تشكل صفعة للمراهنين على إسقاط نتنياهو ومعسكر اليمين الذي يقوده من خلال قضايا الفساد، بعد تحييد القضايا السياسية، والتخلي عن البرنامج السياسي الذي يجعل من حزب العمل والمعسكر الذي يقوده بديلا "سلطويا" منافسا لمعسكر اليمين بقيادة الليكود. هؤلاء قد "يشتاقون" لنتنياهو كما يقولون لأن خليفته من الليكود سيكون أكثر تشددا.

ويحضرني في هذا الباب مقال نشره الوزير السابق عوزي برعام بعنوان "ليس بالفساد وحده يمكن تغيير نتنياهو" انتقد فيه قصرالصراع ضد نتنياهوعلى قضايا الفساد وتغييب القضايا المبدئية والسياسية ذات الأهمية عن ساحة المواجهة. ويشير برعام إلى أن المعارضة الحقيقية يجب أن تمتلك رؤية حقيقية وجوهرية غير خاضعة للظروف المتغيرة، تلك الرؤية حتى لو اصطدمت بالكثير من المعارضات ستمكنها صدقيتها من الانتصار عندما تتغير الظروف، بالمقابل، فإن معادلة إسقاط نتنياهو والنضال ضد الفساد كرزمة واحدة لا تخدم بالضرورة مسألة تغيير السلطة كواجب "قومي" وديمقراطي، كما يقول.

وبدون شك فإن برعام الذي كان من أبرز حمائم حزب العمل يضع اصبعه على موطن الداء، وهو أن الإفلاس السياسي لحزب العمل ومعسكر اليسار الذي كان يقوده، جعل فضائح الفساد التي يرزح تحتها نتنياهو وعائلته الحبل الأخير الذي يتعلق به حزب العمل بعد أن تساقطت أوراق برنامجه السياسي الواحدة تلو الأخرى.

ونستطيع رصد عملية "الانتحار السياسي" لحزب العمل بداية من مفاوضات "كامب ديفيد"، عندما سمح لإيهود براك الذي اخترع مقولة اللاشريك، بتقويض أركان البرنامج الذي قام عليه حكم حزب العمل، والمتمثل بعملية السلام المستندة إلى معادلة "الأرض مقابل السلام"، وإلى مبدأ الشراكة والاعتراف المتبادل مع الفلسطينيين، مرورا بتحالف بيرس مع شارون في إعادة احتلال المدن الفلسطينية واغتيال عرفات، وصولا إلى التخلي عن مسمى معسكر السلام واستبداله بالمعسكر الصهيوني من قبل هرتسوغ، وانتهاء بـ تصريحات غباي المتعلقة برفض إخلاء مستوطنات والتي حولت حزب العمل إلى ليكود "ب".

والحال كذلك فمن غير المستغرب أن تنحط شعبية حزب العمل إلى هذا الدرك، كونه لم يعد يشكل بديلا سياسيا للتغيير الحكم في إسرائيل، بعد أن أرسى تراجعه السياسي حالة توافق إسرائيلي تقوم على قاعدة برنامج اليمين ولاءاته الشهيرة الرافضة للانسحاب والدولة والعودة وتقسيم القدس، وهي الحالة التي ألغت المبرر السياسي لوجود حزب العمل كمنافس على السلطة بعد انتفاء حالة الانقسام السياسي التي كانت تسود المجتمع الإسرائيلي.

هذا الوضع أفرز قوى جديدة أكثر استجابة لحاجات الحالة الناشئة بعد انزياح القضية الفلسطينية (عنوة) من أولويات السياسة الإسرائيلية، قوى هجينة تحمل أجندة غير سياسية، هي خليط من القضايا الاجتماعية والبيئية والديمقراطية، التي تميز حزب "يش عتيد" بقيادة يائير لبيد، والذي يأخذ تدريجيا مكان حزب العمل في المنافسة على السطة.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط