مع الشعب الإيراني وضد التدخل الأجنبي

يتململ الشعب الإيراني بين حقبة وأخرى، قد تمتد أو تقصر، مطالبا بتحسين ظروف معيشته واحتجاجا على الفساد الذي يسبب الفقر. في الواقع هي مظاهرات محدودة بمعايير الدول الديمقراطية، إلا أنها مهمة وكبيرة في معايير دولة شمولية مثل إيران.

ففي النظام الدمقراطي قد يخرج مليون متظاهر ضد الحكومة، ولكن هناك خمسين مليونا لم يمنعهم أحد من الخروج. ولو خرجوا فإن الشرطة تكون في حمايتهم وتوصلهم إلى طريق المظاهرة.

لكن في الأنظمة الشمولية إذا تجرأ المئات على التجمع والتظاهر فهم يمثلون ملايين البشر الذي خافوا من عواقب التظاهر، وقد يجازفون بأرواحهم. ولهذا لا يمكن أن نتساءل في الأنظمة الشمولية أين الملايين. وفي دولة مثل كوريا الشمالية مثلا، إذا تظاهر خمسون شخصا ضد النظام فهم عبارة عن خمسة ملايين ألماني يتظاهرون ضد أنجيلا ميركل، لأن الخمسين سيعدمون بينما الخمسة ملايين ألماني سوف يجلسون لاحتساء البيرة مع الشرطة.

هذا المعيار نفسه بحدة أقل ولكنه ينطبق أيضا على إيران. فالشرطة لا تستقبل المتظاهرين بالرياحين بل أن هناك خطورة السجن لمدد طويلة وقد يصل الأمر إلى الإعدام الميداني خصوصا لقادة الأقليات، كالأكراد والعرب، بعد محاكمة في صلبها تهمة التآمر على الوطن مع جهة أجنبية.

فما أن تبين وجود مظاهرات في إيران رغم الحصار الإعلامي حتى خرج البعض ببيانات تتهم جهات أجنبية!

ثم يأتي داعر مثل ترامب ليؤيد المتظاهرين وكأنهم استأذنوه أو سألوه أو يطلبون عونا منه، فيدمغ المتظاهرين بالعداء للوطن، وهي نفس التهم التي توجه في العالم العربي للمعارضين: تهمة التآمر مع الأجنبي.

من حق الشعب الإيراني أن يتظاهر مطالبا بحقوقه. فنصف الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر، والبطالة والدعارة والسموم باتت منتشرة بشكل فظيع، والفساد متفشيا في أجهزة الحكم، والتدخل في بلاد الآخرين وإرسال جيوش إلى خارج إيران بات يشكل عبئا على المواطن الإيراني، فهو الذي يدفع ثمنها وليس القيادات الدينية الجالسة لا في البرلمان ولا في الحوزات الدينية.

هناك من يفصل بين المطالب الاقتصادية والسياسية، ولكن الأزمة الاقتصادية وانتشار الفقر يخفي وراءه موقفا سياسيا.

منذ ما يسمى الثورة الإسلامية في إيران، يرضخ الشعب لاتجاه فكري واحد يخضع له الجميع ويقف على رأس هذا الهرم الفكري السياسي الولي الفقيه.

لا توجد تعددية سياسية في إيران كما قد ينخدع البعض للوهلة الأولى. فهي ليست تعددية بل منافسة حزبية داخلية في البيت الفكري الواحد. وهي تتراوح بين متشدد في ولائه للفقيه وبين أقل تشددًا في الولاء، وبين فاسد وأقل فسادا أو غير فاسد. فهي مثل سوق خضار لا يعرض سوى الأفوكادو ولكن بعشرين صنفا بأحجام وأشكال ثمار ونسبة نضوج مختلفة، وقشرة بين ناعمة وخشنة وأكثر خشونة ولكن في النهاية كله أفوكادو.

شعب إيران عريق وله باع طويلة في الفنون والعلوم والآداب والسياسة منذ آلاف السنين، ومن المستحيل أن يستمر الحال على ما هو عليه الآن.

الجمهورية الإسلامية في أول سنواتها كانت تظهر ناصعة مقارنة بالشاه العميل والفاسد، فتحمس الشعب لها. لكنها بعد حوالي أربعة عقود في السلطة باتت عبئا على الشعب الإيراني الطامح بنظام أكثر تعددية وأكثر عدلا وشفافية.

نحن الذين نطمح إلى تغيير في أنظمتنا العربية الشمولية نريد لشعب إيران أن ينال حريته وأن يكون هو صاحب القرار في مصيره وليس الولي الفقيه. فلا يعقل أن تكون إيران هي الأولى عالميا بعد الصين في تنفيذ أحكام الإعدام على مواطنيها. ولا يعقل أن يكون شعب إيران العريق من الدول العشر الأخيرة في مجال حرية الصحافة من بين 180 دولة. لا يمكن قبول عيش أكثر من أربعين مليون إيراني تحت خط الفقر في دولة غنية الموارد وتعتبر الثانية في إنتاج النفط في العالم.

نتمنى ألا يتدخل الأجنبي فيخرّب على الشعب الإيراني رغبته بالحرية مثلما خرب على الشعب السوري والأمة العربية.

أميركا تقف ضد أي تغييرحقيقي في دول العالم الثالث، لا في إيران ولا في السعودية ولا في مصر ولا في سوريا أو غيرها. أميركا تريدها دولا وشعوبًا تعيش في الظلام، كي تبقى رافعة العصا وتهدد باسم الحرية والديمقراطية وتزعم محاربة التطرف. ولكن عندما تخرج الشعوب مطالبة بالحرية فأول من يسهم بقمعها هي أميركا، والشعب الفلسطيني أكبر مثال لعداء أميركا لحرية الشعوب، كذلك موقفها المعادي لشعوب أميركا الجنوبية التي اختارت الحرية الاقتصادية على التذيل لأميركا.

الحرية في المفهوم الأميركي هي أن تكون الشركات الأميركية هي الرابحة سواء من خلال إشعال الحروب لتصدير السلاح، أو من خلال تدفيع الخاوة للأنظمة. فالسعودية دولة متحررة ما دامت تدفع الخاوة وإيران ليست حرة لأنها لا تدفع.

لهذا فإن التدخل الأميركي أو تدخل الفاشي بنيامين نتنياهو أو الإعلام السعودي لا يقصد منه سوى التخريب وتلويث إرادة الشعب الإيراني الحقة بحياة كريمة، مثلما لوثوا إرادة الشعوب العربية. نعم نحن مع الشعب الإيراني وضد قمع المحتجين مهما كانت مطالبهم، ولكننا أيضا ضد من يحاولون تجيير هذه الاحتجاجات العادلة لأجل مصالحهم الدنيئة، أو لتحويلها إلى حروب أهلية كما فعلوا في سوريا.

من حق إيران أن تطور أسلحتها كما تشاء وأن تصبح الدولة الأكثر تسلحا في العالم، ولكن ليس من حقها أن ترسل جيشها وتستخدم قوتها لقمع حرية الشعوب الأخرى الطامحة للحرية. من هذا المنطلق نحن مع حرية الشعب الإيراني ونؤيد مطالبه وضد أي تدخل أجنبي.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط