من يدمر مفاعل ديمونا؟

 

اعترفت إسرائيل بشكل رسمي اليوم، الأربعاء، بتدمير ما تصفه بأنه مفاعل نووي بغارة شنها طيرانها الحربي على موقع في سورية، في السادس من أيلول/سبتمبر العام 2007. وجاء هذا القصف لـ"المفاعل السوري" في إطار ما يسمى في إسرائيل بـ"عقيدة بيغن"، نسبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، مناحيم بيغن، الذي أصدر الأمر بتدمير المفاعل النووي العراقي، في العام 1981. وبحسب هذه "العقيدة"، فإن إسرائيل لا تسمح لأي دولة في المنطقة، والمقصود أي دولة عربية، أن تطور برنامجا نوويا.

وتعني هذه العقيدة أن إسرائيل لا تسمح للدول العربية بما تسمحه هي لنفسها. إذ أن لب الموضوع في قضية السلاح النووي في الشرق الأوسط هو البرنامج النووي الإسرائيلي، وحيازة إسرائيل على ترسانة نووية هائلة. وعمليا، إسرائيل هي التي بدأت سباق التسلح النووي في المنطقة. ففي العام 1956، وقبل العدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) على مصر، بدأت إسرائيل تفاوض فرنسا على تسليحها بمفاعل نووي. وفعلا، بعد سنوات قليلة حصلت إسرائيل على أول مفاعل نووي من فرنسا. ولم تمنح فرنسا إسرائيل هذه القوة الإستراتيجية تبرعا وطوعا، وإنما لكي تحصن إسرائيل وتعزز قوتها في وجه الدول العربية حينذاك، وبعد ذلك أصبح "مفاعل ديمونا" بمثابة أسطورة.

وسعت إسرائيل من أجل امتلاك قوة نووية إستراتيجية لعدة أسباب، بينها أنها تعلم أن العرب ينظرون إليها كعدو وككيان مغتصب. ورغم أن بعض الحكام العرب يميلون إلى المصالحة معها، إلا أنها تدرك أن الأجواء في العالم العربي معادية لها بشكل بالغ، وهذه حقيقة ليست بحاجة إلى أجهزة استخبارات كبيرة، بل يكفي مشاهدة الإعلام العربي، طوال السنين الماضية، وشبكات التواصل الاجتماعي، اليوم. لذلك، حتى لو حاول أقرب الأنظمة العربية لإسرائيل تطوير برنامج نووي، ستسعى إسرائيل إلى إحباطه، لأنها في هذه الحالة لا تعتمد على هذه الأنظمة.

سبب آخر، هو أن حكام إسرائيل يعتبرون أن بإمكانهم الإقدام على أي عمل عدواني، ليس ضد الفلسطينيين فقط وإنما في المنطقة كلها، وأنه قد تنشب حرب إثر ذلك، لكن لن يكون بمقدور أي حرب إسرائيلية – عربية أن تؤدي إلى تدمير إسرائيل أو إلحاق أضرار جسيمة بها، لأنها تلوح بسلاحها الإستراتيجي بين حين وآخر. ولذلك فإن الأنظمة العربية مرتدعة، وإسرائيل لم تعد تواجه جيوشا عربية منذ حرب تشرين الأول/أكتوبر العام 1973.

لذلك، رغم القلق الدائم في إسرائيل من جهات عديدة محيطة بها، إلا أنها مطمئنة من أن هذه الجهات لن تلحق بها أذى بالغا يعكر مجرى الحياة بشكل كبير فيها. ليس هذا وحسب، وإنما وجود سلاح نووي بحوزة إسرائيل يشجعها على الاستقواء والتمادي في عدوانها ووحشيتها.

وثمة جانب آخر هام في حيازة إسرائيل لترسانة نووية في موازاة منعها لأية دولة عربية من تطوير برنامج نووي، وهو منطق الحكام العرب القائل إنه في ظل انعدام قدرتهم على مواجهة إسرائيل، فإنه ينبغي التعامل معها، ومنحها الشرعية! وهذا المنطق المتراكم منذ سنين طويلة، دفع الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات، إلى إبرام سلام مع إسرائيل، في نهاية السبعينيات. وهو المنطق نفسه الذي يدفع حكام السعودية وغيرها إلى التقرب من إسرائيل، بادعاء مواجهة إيران، علما أن إسرائيل قصفت مفاعلا عراقيا وآخر سوريا، وهما قيد البناء، ولم تجرؤ على مهاجمة مفاعلات نووية إيرانية أكثر تطورا من تلك العربية.

واعتراف إسرائيل، اليوم، بتدمير المفاعل السوري لا يعني الكثير، خاصة وأنه معلوم منذ شن الغارة على دير الزور. لكن هذا الاعتراف، بغض النظر عن توقيته، يجب أن يحوّل الأنظار مرة أخرى إلى الترسانة النووية الإسرائيلية والمطالبة بتفكيكها، والتأكيد على أن إسرائيل هي التي أطلقت العنان لسباق تسلح نووي في المنطقة ولا أحد غيرها. زد إلى ذلك أن إسرائيل تملك أيضا ترسانة أسلحة كيميائية وبيولوجية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل غير المشروعة. وتحدثت تقارير كثيرة، في السنوات الأخيرة عن استخدامها أسلحة محظورة في الحروب التي شنتها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، خصوصا، دون أن يحاسبها العالم على هذه الجرائم.

 


تصميم وبرمجة: باسل شليوط