هل أتاك حديث الضم

على الرغم من نفي البيت الأبيض أنباء أفادت بأن الولايات المتحدة بحثت مع إسرائيل خطة لضم مناطق في الضفة الغربية، فإن قول رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في الاجتماع الذي عقدته كتلة الليكود في الكنيست (البرلمان) يوم 12 فبراير/شباط الحالي، إن مفاوضات تجري مع الإدارة الأميركية بشأن موضوع الضم، يتسق مع المواقف المعلنة لحزب البيت اليهودي، وأكثرية أعضاء الكنيست من الليكود، وبعض الأوساط المحسوبة على "اليسار الصهيوني".

وأكد نتنياهو أهمية أن يتم التنسيق مع الأميركيين حيال هذا الضم الذي استعمل لنعته مصطلحًا مغسولًا هو "بسط السيادة الإسرائيلية"، ووصف العلاقات معهم بأنها رصيد استراتيجي مهم لإسرائيل وللاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وشدّد على ضرورة أن تكون خطوةٌ كهذه مبادرة حكومية، وليس خاصة، كون الحديث يدور حول نقلة تاريخية.

ورحب "البيت اليهودي" بتصريحات نتنياهو، وقال إن هذه أول مرة يتحدث فيها الأخير عن "تطبيق خطة السيادة الإسرائيلية في مناطق ج"، التي تبلغ 60% من مساحة الضفة الغربية، وأكد أن الاختبار سيكون بالتنفيذ، وأنه سيقف إلى جانب رئيس الحكومة بهذا الخصوص.

ورأى ناطقون بلسان المستوطنين أن ثمة شيئًا يتحرّك منذ زمن طويل في مسار الضم، لكن في الأسابيع القليلة الماضية تحرّك إلى الأمام كثيرًا، ولم تعد عبارة "تطبيق السيادة" فظّة وغير لائقة سياسيًا، وبدءًا من الآن يتحدث عنها رئيس الحكومة أيضًا، وبصريح العبارة.

في الحقيقة، لم يعد حديث الضم مفتقدًا قبل التصريحات الأخيرة لنتنياهو، فمنذ الانتخابات الإسرائيلية العامة عام 2015، على الأقل، يؤكد أنه لا يريد دولة ثنائية القومية، لكن "يجب على إسرائيل السيطرة على كامل الأرض في المستقبل المنظور"، حسبما قال أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية يوم 26/ 10/ 2015، منوهًا إلى أنه مستعد لتقسيم البلد، غير أن "الجانب الآخر- الفلسطيني- غير مستعد لذلك"، وبأن الشرق الأوسط واقعٌ تحت تأثير تيارات الدين الإسلامي التي تعرقل إمكان تحقيق السلام.
وموقفه هذا مقبول من أغلبية الجمهور اليهودي والأحزاب الصهيونية في دولة الاحتلال، استنادًا إلى استطلاعات عديدة للرأي العام، أجريت منذ قمة كامب ديفيد عام 2000. فهذه الأغلبية تؤيّد فكرة "دولة فلسطينية بجانب إسرائيل"، بصورة عامة من دون الدخول في التفاصيل المتعلقة بمساحة هذه الدولة، لكنها في الوقت نفسه تعتقد أن الفكرة غير عملية بسبب "عدم وجود شريك" لدى الطرف الثاني. وهذه الأغلبية، ومن ضمنها نتنياهو، تعارض، بموازاة ذلك، فكرة دولة ثنائية القومية، فيها مساواة في الحقوق بين جميع السكان.

هذا الخط السياسي الذي يتبناه نتنياهو سبق أن أطّرته تحليلات تأصيلية، بما في ذلك إسرائيلية، بأنه يشمل، في الآن عينه، موافقة لفظية على تقسيم الأرض، وسياسة عملية تعرقل تحقيق هذا التقسيم. ولعلّ أبلغ برهانٍ على ذلك رفضه على الدوام التحاور مع الفلسطينيين بشأن الحدود المستقبلية، والإلحاح عليهم بـ "الاعتراف بالدولة اليهودية"، إلى جانب العمل الدؤوب على تسمين المستوطنات في شتى أنحاء الضفة. وما يزال نتنياهو مستعدًا لإجراء محادثات عقيمة مع الفلسطينيين، أو لـ "خطوات تقليص الاحتكاك" من دون التخلّي عن السيطرة على الأرض.

وفي كلامه السالف أمام لجنة الخارجية والأمن، وفي تصريحاته أخيرا، اعترف نتنياهو بسيطرة إسرائيل المطلقة على الأراضي المحتلة منذ 1967، ونزع قناعًا مزدوجًا: أولًا عن "عقيدة الاحتلال المؤقت"، وثانيًا عن الادعاء بأن السلطة الفلسطينية تتمتع باستقلال ذاتي، وتدير شؤون مواطنيها. وهو بالضبط ما أقر به أخيرًا كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات.
إذًا بماذا ينبئنا حديث الضم أو "تطبيق السيادة" المستجدّ؟ إذا ما أضيفت إليه معارضة نتنياهو الدولة ثنائية القومية، فإنه يحيل معها إلى استنتاج واضح: ما دامت "سيطرة إسرائيل على الأرض" مستمرة، فإن ملايين الفلسطينيين في أراضي 1967 سيبقون في وضع دونيّ، ولن يحصلوا على حقوق المواطنة التي يتمتع بها يهود المستوطنات لمجرّد أنهم يهود.

(العربي الجديد)


تصميم وبرمجة: باسل شليوط