يوم الأرض بين الطقوس ومعنى الذاكرة

 

تستعد الجماهير العربية في الداخل لإحياء الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض في ظروف سياسية ومجتمعية بالغة التعقيد، وفي ظل اختلاط المعنى بين مفهومي الذكرى والذاكرة الذي ينعكس على مستوى الأداء ونجاعة العمل ومستوى العلاقات بين مركبات الهيئات "القيادية"، لا سيما وأن اضرحة الشهداء وذكراهم ليست قطعة من الفولكلور الشعبي أو مشهدا من الأطلال ومسرحا للخطابة الممجوجة، بل هي قيمة عليا وروح نابضة كونهم أنبل بني البشر يجب أن تستلهم منها الأجيال القيمة والمعنى وحافزا للارتقاء بمستوى الوعي والعمل المنظم لا سيما في ظل الوضعية الخاصة وتزايد التحديات كما هو حال فلسطينيي الداخل.

لا شك أن تاريخ أي شعب بسيرورته ومحطاته الفاصلة عندما يتم توثيقه وإحيائه بأحداثه ومحطاته الكبرى إنما يأتي لتعزيز المعاني والوعي وتنجيع العمل لدى الأجيال، وليس لمجرد التقليد الروتيني الرتيب المدفوع بالنزعات الفردية والفؤوية أو الاستخدام للاستثمار الضيق. وفي هذه الحال، فإن ذلك لا يحمل الكثير من المعنى، بل يتحول إلى طقوس موسمية جامدة بلا روح وبلا معنى فعلي.

وإذا كانت الشعوب والأمم تحيي وتمجد رموزها ومآثرها، فإن إحياء الذكرى هي ليست لمجرد تمجيد الماضي والتغني ببطولات الأباء والأجداد صانعي هذا التاريخ بخيباته وأمجاده أمام هوان وخيبات الحاضر. وهناك فارق عميق بين إحياء الذكرى المجردة كطقس سنوي وبين مفهوم الذاكرة الزاخرة بالدلالات والمعاني.

كما أن الذاكرة الجماعية لأي شعب أو مجموعة بشرية هي ليست مجرد أطلال للندب، كما حال إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية، ومحطات مثل يوم الأرض وهبة القدس والأقصى ومسيرة العودة وغيرها من محطات في تاريخ شعبنا على أهميتها، بل هي وقفات يجب أن تلخص الموقف والأداء، ومراجعة السلوك السياسي والمجتمعي والأدوات للاستخلاص الأنجع لتطوير الفعل، والارتقاء بأساليب العمل، وبالتالي فإن التعاطي مع مجمل الأحداث التي يجب أن تشكل الذاكرة الحية والفاعلة، ملهم للأجيال والحراكات السياسية ضمن نشاط سياسي أخلاقي إنساني منظم وفاعل مستند إلى فكر وإرادة إنسانية جماعية تذود عن مستقبل الإنسان والأجيال بالطرق الأكثر نجاعة وفعالية.

إلا أن للمراقب أن يلاحظ في المشهد العام أننا على مستوى المهارات والمواهب الفردية في مختلف المجالات السياسية الثقافية ومجالات العلوم الإنسانية لدينا بارعون ومتفوقون، ولا ينقصنا من هذه الملاكات والمهارات، لكن عندما نتحدث عن الأداء والعمل الجماعي فهو رديء ومخيب للآمال حيث تطغى الشخصانية والفئوية من مخاتير العمل السياسي والبلدي التي تكرس نهجا يستوجب مراجعة شاملة وعميقة، لأنه دون ذلك لن نرتقي بالثقافة السياسية والمجتمعية في سبيل إعادة صياغة المفاهيم وإحياء الذاكرة الفاعلة، وتعزيز المسؤولية والإرادة الجماعية الكفيلة بإعادة البوصلة لنصابها دون لبس ما بين الطقوس والمشروع الوطني واستحقاقاته.

 


تصميم وبرمجة: باسل شليوط