العراقيب خط دفاعنا الأول... فلا تجعلوه الأخير

تقيم اللجنة الشعبية في قرية العراقيب مسلوبة الاعتراف والمهددة بالترحيل، يوم السبت المقبل، مهرجان التحدي والصمود السنوي الثامن لها، وهو مهرجان سنوي يقام على أراضي القرية المهددة بالهدم والترحيل بشكل يومي.

يأتي ذلك في ظل واقع يومي من الهدم المستمر لبيوت الأهالي، والذي وصل إلى 131 مرة من الهدم في الأسابيع الأخيرة و8 سنوات على الهدم الأول لقرية العراقيب في العام 2010.

هُدمت العراقيب 131 مرة، ولكن أهلها الصامدين استمروا في البناء، وبعد 8 سنوات من الصمود وتصدير المواقف البطولية لأهالي العراقيب عبر صمود رجالها ونسائها في وجه الجرافات، والنضال الجماهيري المستمر في وقفات احتجاجية أسبوعية، نظمتها اللجنة الشعبية في قرية العراقيب على مدار السنوات الماضية رغما عن كل الظروف.

صعدّت السلطات الإسرائيلية قمعها في العراقيب بشكل مستمر، وظهر الوجه الاستعماري والعقيدة الأمنية لإسرائيل في النقب بلا قناع، وذلك من خلال الاعتداءات المتكررة على أهل العراقيب والأحكام القضائية الانتقامية التي استخدمت فيها إسرائيل العراقيب مقدمة لممارساتها في النقب ومنها: في العام 2016 قدمت الشرطة لائحتي اتهام ضد طفلين من العراقيب، 14 و15 عاماً بتهمة الاستيلاء على أراضي الدولة، وفي العام 2017 ألزمت محكمة إسرائيلية 6 أفراد من سكان العراقيب بدفع مبلغ 264 ألف شيكل، وأكثر من 100 ألف شيكل تكاليف محامين وأتعاب قضائية تكاليف هدم القرية، وفي تاريخ 24.12.2017 فرضت محكمة الصلح على السبعيني الشيخ صياح الطوري السجن الفعلي لمدة 10 أشهر و5 أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة مالية قدرها 36 ألف شيكل، أو تستبدل بـ120 يوما من السجن والإبعاد.

لاقى نضال الأرض في العراقيب احتضانا عالميا، ودعمته حركات نضال عالمية مثل حركة المقاطعة الدولية black lives matte، Palestine Solidarity Campaign الأميركية وغيرها، كما جرى تمثيل القرية في سويسرا وبلجيكا وجنوب أفريقيا والعديد من دول العالم، كما جرى تصدير نموذج صياح الطوري، الشيخ العربي البدوي المرابط في وجه ماكنة القمع الإسرائيلية، وتحول إلى رمز للعلاقة بالأرض والصمود فيها.

يختلف مهرجان التحدي والصمود الثامن عن كل ما سبقه، فيبدو لكل من يشاهد العراقيب من قريب، أن العراقيب تعاني أكثر مما سبق بكثير، والسبب لذلك هو فقط نقص الالتفاف الشعبي حولها اليوم.

تُركت العراقيب وحيدة يحارب لأجلها أهلها دون برنامج نضالي يحميها، أو احتضان سياسي لها، ولم يتم اعتبار وقفة العراقيب الأسبوعية برنامجا نضاليا يمكن احتوائه وتطويره، كما قصرت لجنة المتابعة العليا التي تعمل بطريقة ردود الفعل والبعثات الموضِعية إلى النقب في دورها، وهنا تحل معظم القيادات الجماهيرية ضيوفا على العراقيب في نشاطاتها المرحلية والسنوية.

تتعامل "سلطة توطين البدو" و"وزارة الزراعة" و"الصندوق القومي اليهودي" مع العراقيب بحذر، تخاف من الاسم العالمي الذي صنعه نضال أهل العراقيب لبلدتهم، وترتعش المؤسسة بشهادات أفرادها من الخطاب الوطني غير المتساوق الذي يحافظ عليه الشيخ صياح الطوري، وعناوين العراقيب منذ فجر المعركة على الأرض في العراقيب. ينضاف إلى هذا كله النفس الطويل في الصمود لأهل القرية المستمر منذ 8 سنوات بلا أي شروط حياتية مناسبة، ورغم تضييق وملاحقة واعتداء السلطة عليهم.

تستبق إسرائيل فرض سياساتها على النقب بفرضها على العراقيب، وكانت القرية الأولى التي تهدم بشكل كامل دون إعطاء البديل لأهلها، ثم جاء قرار المحكمة حول العقبي، والذي أقر للمرة الأولى قضائيا بعدم قدرة أي بدوي إثبات ملكيته على أرضه في النقب، والهدف الرئيسي لوحدات "يوآف" في النقب منذ تأسيسها، كما كان أهل العراقيب أول من فرضت عليه الغرامات المالية الباهظة في النقب، والتي تمثل السلاح الأقوى في يد السلطة لتهجير عرب النقب اليوم، والكثير من السياسات القانونية والتنفيذية الأخرى.

لم تخسر العراقيب المعركة في أي مرحلة، ولم يساوم أهلها رغم مراهنة العديد على ذلك، وكانت دائما خط الدفاع الأول عن أرض النقب وقيس صمود عرب النقب حسب معيار صمود أهل العراقيب، بالرغم من نقص الدعم الشعبي لقضيتها وخذلان العديد من الأطراف، بالإضافة إلى الملاحقة والقمع السياسي، استمر الخطاب الوطني بالخروج إلينا من قلب مقبرة العراقيب الملاذ الأخير لأهلها بعد التضييق والهدم الشامل.

لم يتوقف الشيخ صياح الطوري عن الصراخ في وجه الجنود ولم تتردد نساء العراقيب عن التصدي للجرافات، وكبر الأطفال ليصبحوا رجالاً واثقين بعلاقتهم بالأرض، ومتأكدين من ارتباط مصائرهم بها.

ويطرح السؤال الآن، هل تستطيع العراقيب الصمود وحيدة في المرحلة المقبلة مع استفحال اليمين الفاشي، وسن "قانون القومية" العنصري واعتبار الاستيطان اليهودي في النقب بشكل معلن بلا تأتأة هدفا قوميا معلنا ودستوريا، يطغى فوق الاعتبارات "الديمقراطية" لدولة إسرائيل؟

وعليه، فإن مهرجان التحدي والصمود الثامن لقرية العراقيب قد يكون من أهم المحطات في تاريخ القرية النضالي، وله خصوصية مختلفة عن سابقيه في ترسيخ قيمة الصمود لدينا، وفي استمرار نضال أهل العراقيب على أرضهم، وقياسا على كل الآليات النضالية في قضايا الأرض والمسكن، وجب علينا، مجتمعا وقيادة، التقييم والقياس والبدء من جديد وفي النقب، إذ يبدو واضحا أننا إذا خسرنا خط دفاعنا الأول وهو العراقيب، فلا شيء يقف في وجه خسارتنا لما تبقى لنا.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط