نحو تعزيز مكانة وأداء القائمة المشتركة

تعاملت الأحزاب العربية مع الكنيست على مدار سنوات تواجدها في الكنيست، بأنّها منصّة هامّة لمخاطبة الإعلام العربي والإسرائيلي والعالمي، وأداة لبلورة وتنظيم المجتمع العربي سياسيًّا وأيديولوجيًّا، ووسيلة لمواجهة السياسات الإسرائيليّة وتقليل العنصرية والتمييز تجاه العرب في الداخل. أمّا عملية سنّ قوانين تخدم وتفيد مصالح وحقوق المجتمع العربي فكانت محدودة للغاية، وما زالت، نتيجة العنصريّة البنيويّة لهذه المؤسّسة، وكون الأحزاب العربية، بصورة دائمة، خارج الائتلافات الحكوميّة أو المعارضة الرسميّة. وكانت الأحزاب الممثّلة في الكنيست واعية تمامًا لحدود العمل والنضال من خلال البرلمان الإسرائيلي، وتعاملت معه كأحد أدوات النضال والعمل السياسي، لا الأداة الوحيدة. 

في العقدين الأخيرين، تزايدت أهميّة تأثير الأحزاب العربية على بلورة الوعي السياسي والمواقف والتصرف السياسي لدى المجتمع العربي في الداخل، في ظل غياب مؤسسات تثقيفية وأدوات تسييس أخرى. فما زالت الأحزاب العربية الفاعلة في البرلمان من أهمّ وكلاء التثقيف السياسي والاجتماعي في الداخل الفلسطيني. ونجد أنّ الحراك السياسي والمشاركة السياسيّة يرتبطان طرديًّا مع أداء وحضور الأحزاب. فكلّما زاد حضور الأحزاب العربيّة وقوتها في البرلمان والشارع، تحديدًا المواقف القوميّة المتصدية للإجماع الصهيوني، زاد تفاعل ومشاركة الجمهور في الاحتجاجات والنضال وإحياء الأيام الوطنيّة، والعكس صحيح. وقد لعبت هذا الدور في السنوات الأربع الأخيرة القائمة المشتركة، التي باتت لاعبا سياسيا بارزا في الساحة العربيّة المحليّة والإقليميّة بل والعالميّة. 

لهذا السبب، من ضمن أسباب أخرى، تبرز الحاجة إلى مراجعة نقديّة مستفيضة لعمل وأداء القائمة المشتركة، البرلماني والشعبي في سنواتها الأربع، وطرح مساقات للتعامل مع بعض إشكاليّات القائمة المشتركة، وتحسين مكانتها وأداءها، خاصّةً على ضوء الانتقادات التي توجّه لها، الحقيقيّة والبنّاءة أحيانًا، والمناكِفة والكيديّة أحيانًا أخرى. 

الإشكالية الأولى والأبرز في مسيرة القائمة المشتركة القصيرة، تكمن بعدم معرفة وقلّة انتشار البرنامج السياسي للمشتركة لعموم الناخبين، وتعامل الأحزاب المُشَكّلة للمشتركة مع هذا البرنامج كتوصية، من دون أن يحدّد سقفا سياسيا أدنى للشركاء. فما زالت الأحزاب - التي لديها برنامج سياسي متين وواضح وعلني- تحاول تعزيز برامجها السياسيّة الخاصة، وفرضها على عمل المشتركة، أو خروج بعض القيادات عن برنامج المشتركة. هذا الواقع ينتج نقاشًا سياسيًّا بين مركّبات القائمة، يكون في أغلب الحالات غير واضحٍ للجمهور. فيما من المفروض أن يكون هذا النقاش صحيا وإيجابيا لصيانة وتمتين القائمة المشتركة لا لإضعافها، إذ تستفيد القائمة المشتركة والجمهور عموما من هذا النقاش. وما ينبغي على القائمة المشتركة فعله، هو ترشيده وإدارته بالطريقة الصحيحة، ونقله إلى نقاش حقيقي عامّ بين كوادر الأحزاب والجمهور، لكي يغني عمل المشتركة.

الاشتباك السياسي مع الإجماع الصهيوني وطرح مشروع سياسي جماعي أهم من عدد المقاعد وحجم القائمة، إذ لا معنى للعدد من دون مشروع مناهض للمشروع الصهيوني. 

إشراك الجمهور يجب أن يتعدّى وظيفة المشاهد أو المتلقي للنقاشات، بل على المشتركة إيجاد الآليّات والأدوات للتواصل بشكل أفضل وأوسع مع الجماهير، كقائمة مشتركة وليس كأحزاب منفردة فقط، وأن يأخذ الجمهور دورا فعّالا وحقيقيا في النقاش حدّ التأثير. يمكن أن يكون ذلك من خلال أيّام دراسة وندوات ولقاءات مفتوحة بغية سماع الجمهور ومشاركته الفعليّة. فعلى عكس مركبات المشتركة منفردة، هذا الجسم قد يكون الوحيد في الداخل الفلسطيني الذي بإمكانه جمع فئات عديدة ومتنوعة ذات مشارب فكريّة مختلفة تحت سقف واحد للنقاش والحوار. تحديدًا في هذه الأيام، قد تكون هذه المهمّة ضروريّة لصيانة وحدة وتعاضد أبناء الشعب الواحد ومنع الخلافات المتخيّلة أحيانا، وطرحها للنقاش والبحث عن قواسم مشتركة تجمع الجميع، في المحاور السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.

كما يحتاج تحسين مكانة المشتركة إلى إشراك أكبر عدد من الأكاديميّين والمهنيّين والاختصاصيين والمؤسّسات والجمعيّات الأهليّة، وذلك في بلورة خطط عمل وبرامج سياسيّة نضاليّة، واقتراحات قوانين. وقد يترجم ذلك عبر تشكيل مجلس استشاري للقائمة المشتركة، يصبّ في مصلحة المشتركة ومصلحة النضال السياسي ومصلحة الجمهور. هذا سيساهم بالتأكيد في مأسسة القائمة المشتركة وأدوات عملها. 

بهذا، فإنّ فتح وترشيد النقاش السياسي، وإشراك الجمهور والنخب الأكاديمية والمؤسسات الأهلية، تساهم جميعها في إنتاج برنامج سياسي واضح ومتين يرفق ببرنامج عمل مفصّل - برلماني وشعبي ومرافعة قانونية ودولية - لوضع مشروع سياسي جامع مناهض للمشروع الصهيوني، ويعرض بديلا ديموقراطيا حقيقيا. فلا يعقل أن تقتصر شعارات القائمة المشتركة وأهدافها عند البعض على تغيير الحكومة اليمينة بأخرى 'يساريّة' أقلّ عدائيّة للمجتمع العربي، مع أهميّة الموضوع، وأن تطرح نفسها كأكبر ثالث كتلة في الكنيست، وكأنّ عدد المقاعد هو الذي يحدّد مهام ومكانة المشتركة. 

لقد استنتج الجميع أنّ هذا الطرح والمنظومة الفكريّة التي تقتصر العنصريّة والعدائيّة تجاه العرب، بجانب الميزانيّات والحقوق المدنية المعيشية في تسعينيات القرن المنصرم عدم جدواه، وتمّ تبنّي طرح الحقوق القوميّة الجماعيّة، وربط الحصول على الحقوق بتغيير طابع إسرائيل. بينما يرى آخرون أن الاشتباك السياسي مع الإجماع الصهيوني وطرح مشروع سياسي جماعي أهم من عدد المقاعد وحجم القائمة، إذ لا معنى للعدد من دون مشروع مناهض للمشروع الصهيوني. 

كما بات ملحا توضيح ومأسسة العلاقة بين القائمة المشتركة ولجنة المتابعة واللجنة القطريّة لرؤساء السلطات المحليّة، وتقاسم المهام وتكامل الأدوار بين هذه المؤسّسات الثلاث التي تقود نضال المجتمع الفلسطيني في الداخل، المدني اليومي المعيشي والقومي الجماعي. بهذا المعنى يجب أن نستغلّ إقامة القائمة المشتركة وانتخاب رئيس للمتابعة من قبل الأحزاب المكوّنة لها، في عمليّة بناء حقيقيّة للمؤسسات الوطنيّة الجماعية للفلسطينيّين في الداخل، ومن خلال قفزة نوعيّة عن اعتبارها مجرد أطر تنسيقيّة تقوم على الحد الأدنى من التفاهمات. بالإضافة، يجب الإشارة إلى أنّ القائمة المشتركة هي إطار مكمّل للجنة المتابعة واللجنة القطريّة لرؤساء السلطات المحليّة لا منافسة، وعليها أن تساهم في الدفع لإجراء انتخابات مباشرة للجنة المتابعة وإقامة المؤسسات الوطنيّة الجماعيّة.  

لسنا سذجا لنعتقد أنّ تنفيذ هذه الاقتراحات مرحّب بها من كافّة مركبات المشتركة أو المتابعة، ولا نعتقد أن تنفيذها سيتم بمجرد طرحها، فنحن نطرحها منذ أكثر من عقد، فالتنفيذ يحتاج إلى إصرار ومثابرة وإقناع. لكنّي على ثقة أنّ جمهور القائمة المشتركة لن يقبل بأقل من ذلك، وبأنّ المصلحة الوطنيّة ستفرض نفسها وتعمل على تمتين وتقوية القائمة المشتركة، بهذه الاقتراحات أو غيرها، ولن يكون من مفرّ إلا بقبولها، لتكون بداية مأسسة القائمة المشتركة، وإشراك الجمهور في تطوير طرحها السياسي وعملها البرلماني والشعبي، لتحقيق أهداف شعبنا في الحريّة والعدالة والمساواة التامّة.   


تصميم وبرمجة: باسل شليوط