حماك الله يا بيروت

لبيروت في قلب كل فلسطينيٍ مكان، في جوانح القلب زاوية ما، هي توأم روح حيفا كما اعتاد محمود درويش وصفها، ولكلتاهما كان له وحي إبداع حين كتب 'النزول عن الكرمل' حين غادر فلسطين في مطلع السبعين، 'ومديح الظل العالي' حين غادر بيروت منتصف الثمانين.. فودع 'خيمتنا الأخيرة'.

'كالعصافير الغبية' أجاب درويش حين سألوه: ماذا كان دورك كشاعر؟!

'كالعصافير الغبية تغرد قبل القذيفة وبعدها، تغرد بين قذيفتين'، 'أهميتي نبعت من فلسطينيتي لا من شاعريتي في وقتٍ كانت فيه الحياة هي المصادفة وليس الموت.. فكنا بحاجة للرصاصة قبل القصيدة..'.

مصطفى طه

على المستوى الشخصي هزت مشاعري حتى الأعماق مشاهد دمار بيروت في حرب الإبادة التي خاضها ثلاثي الدم 'بيغن رئيس الحكومة' شارون وزير الحرب (مش الدفاع)، ورفائيل إيتان القائد العام للجيش عام 82.

دون العشرين كنت حينها، في ذروة عنفوان الشباب، معتزا حتى أعماق الأعماق في انتمائي، تتابع عن بعد بيروت وسط الحصار لمدة 82 يوما، ترى بالبث الحي عماراتها الشاهقة تنهار بلمح البصر بفعل القنابل الهيدروجينية والفراغية والانشطارية، المحرمة دوليا، والتي لم يعرف العالم فعاليتها من قبل، كان اللحم الفلسطيني واللبناني حقل تجاربها.. وبه غرزت أنياب حقدها الصهيوني.

بكيت.. وبكيت كثيرا حين خرجت المقاومة من بيروت مضطرة نحو تونس، هز أعماقي رحيل الفدائيين وهم يودعون الأهل والأحباب ببسمة عريضة وشارات النصر ودموع الامهات، ويتركون المدنيين من أبنائهم تحت رحمة المجرمين الذين ارتكبوا مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا مباشرة، فلم يسلم الطفل ولا المرأة الحامل.. مشاهد تقشعر لها الأبدان.

هذا الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية لمدة 82 يوما بعدما توهم شارون حينها أن 'عملية سلامة الجليل' تحتاج إلى 48 ساعة، وفي الحد الأقصى 72 ساعة، صمود فلسطيني أسطوري، كانت تحتل إسرائيل ولا تسيطر، حرب أشباح في الليل كما وصفها كثيرون من الجنود الصهاينة حينها بفعل ظاهرة أطفال الـ 'آر. بي. جي'، وصمت عربي مدهش ومهين ومذل أمام سقوط أول عاصمة عربية، 'بيروت الصمود'.

كان فيها الفلسطيني يستنجد ماء الشرب.. 'كنا نستجدي أمريكا لتفرج عن مياه الشرب، لا لنشرب بل لنغسل جثث قتلانا'، تبكيك تبكيك فعلاً هذه الكلمات حين كنت تسمعها، لواحد في جيلك، وتسأل والدموع عرض وجنتيك:

كيف يستجدي الفلسطيني مياه الشرب وهو ابن لأمة عربية من أغنى شعوب الارض؟ و'تروي' الكون 'نفطا'؟!

تسأل وأنت تدرك سلفا أن سقوط أول عاصمةٍ عربية 'بيروت' ما كان ليكون لولا الثمن الحتمي المباشر لصلح السادات المتفرد وإخراج مصر العروبة من معادلة الصراع، وكان الخنجر الأكثر سما في الخاصرة الفلسطينية..

كنت في التاسعة عشر حينها، واقتربت من الستين اليوم.. والله والله لا زلت حتى اليوم، يقشعر شعر بدني، وتدمع عيني لا إراديا حين أسمع 'اشهد يا عالم علينا وع بيروت' لفرقة العاشقين، وخصوصا مقطعها الأخير:

'ولما طلعنا ودعناك يا بيروت

وسلاحنا شارة حرية

لا راية بيضة رفعنا يا بيروت

ولا طلعنا بهامة محنية

الدرب صعبة وطويلة يا بيروت

وعليها عقدنا النية

وإللي ما يشوف من الغربال يا بيروت

أعمى بعيون أمريكية'.

ماذا نقدم لك يا بيروت..؟؟؟!!! أقل أقل واحب ممكن

حملة إغاثة اتفقنا عليها بالأمس في لجنة المتابعة، ممثلة للقوى السياسة جميعاً بلا استثناء أحزاباً وحركات سياسية، ومنظمات العمل الاهلي والشعبي، وتتولى مهمة تنفيذها اللجان الشعبية في القرى والمدن العربية، وفتحنا حسابا مشتركا، ودفاتر وصولات، وستكون مرافقة للحملة لجنة مراقبة من شخصيات مستقلة، ونوصل التبرعات إلى الهلال الأحمر والصليب الأحمر في لبنان الذين يعملون بشكل مشترك هناك وبحضور السفير الفلسطيني وممثلي الفصائل الفلسطينية في لبنان.

هي رسالة تتعدى فكرة جمع بضع مئات الآلاف أو حتى الملايين.. نمد يد العون بما يقتدر كل منا لأبناء شعبنا المنكوب، نقدم حتى البسيط البسيط.

حماك الله يا بيروت.. أدام نخوة شعبي المعطاء بكل أطيافه، بكل ألوانه الذي اندفع بفطرته الطيبة فورا للعطاء.. ما أجمل اندفاع طبيعة أهلي الطيبين.. ليكن كل منا شريكا بأقل واجب قومي ووطني وديني وإنساني.

لبيروت منا سلاما.

  • الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي

تصميم وبرمجة: باسل شليوط