"وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"

منيب طربيه

يمر شعبنا الفلسطيني في الداخل بأزمة قيادة منقطعة النظير، فظهور قيادات بحلة المشتركة الجديدة لم تسعف الوضع بل زادته سوءا، حيث لم يأبه من عملوا ليل نهار لإخراج المشتركة إلى حيز التنفيذ إلى المضامين والأسس، بل اكتفوا بإقامتها شكليا بعيدا عن النقاشات والاعتبارات الكثيرة التي كانت من المفروض أن تكون في مقدمة المفاوضات لبناء مشروع مشترك حقيقي، ولكن تجاهل الاختلافات بين التيارات المختلفة وإقامة الوحدة فقط لخوض معركة انتخابات الكنيست والتطلع إلى المكسب العددي في التمثيل البرلماني وضع المشتركة أمام أزمات عديدة يصعب تخطيها خاصة تلك التي تضع المشروع الوطني الفلسطيني ومصير المجتمع الفلسطيني في الداخل جانبا، كما أان هذه الشراكة الوهمية التي تضمن لبعض الشركاء التمثيل البرلماني جعلتهم يبتعدون خطوات عن فلسطينية المشروع وأحقية المواطن العربي في المساواة والعيش الكريم غير المشروط.

إن إحدى الظواهر التي نتجت عن المشتركة، ظاهرة منصور عباس الذي بدأ يجهر بمشروعه الاندماجي الانبطاحي المشروط الذي لا يرى أي مشكلة بالشراكة مع اليمين الإسرائيلي فضلا عن يساره.

لم يعتد شعبنا الفلسطيني على هذا النهج الانبطاحي الرخيص، الذي يتعامل مع قضينا كسلعة يقايض بها حكومة المؤسسة الإسرائيلية دون خجل.

إن الصراع العربي الفلسطيني لا ينتهي إلا بتحقيق المصير والعيش الكريم كأصحاب الأرض الأصلانيين، وإن حكومات إسرائيل المتعاقبة تتعامل معنا كرعايا وتتصرف معنا بشكل عدائي، ولذلك يتوجب على من يفاوض هذه الحكومات أن يضع هذه الشروط بالبند العريض ويجب أن يفرض على حكومة إسرائيل الاعتراف بنا كشعب له معالمه وبنيته، لا أن نتجاهل كوننا شعب ونفاوض حكومة نتنياهو الأكثر عنصرية على أن نسانده كمجموعة للخروج من أزمته مقابل الفتات.

هل فعلا بات منصور عباس يرى بحكومة نتنياهو منصة لإخراج مجتمعنا من أزمته، أم أنه يفعل ذلك مع سبق الإصرار والترصد لإخراج نتنياهو من أزمته وليضع اسمه في العناوين غير آبه للطريقة على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة.

ألم يسأل نفسه السيد عباس عن أسباب إقصاء العرب والإجحاف في حقهم بالسنوات الأخيرة؟ ألم يقلقه تحريض نتنياهو المتكرر على العرب والفلسطينيين؟ هل يرى عباس فعلا أن نتنياهو سيحسم مصيرنا؟ ألم تردع عباس عن هذه الخطوة تصريحات نتنياهو؟ قانون القومية، اعتبار الإسلام إرهابا، يمينية نتنياهو وعنصريته، بناء المستوطنات، إقصاء العرب عن مراكز القرار، قوانين الأرض والمسكن وقوانين استعلائية وعنصرية أخرى.

كيف لتيار يعتبر نفسه فلسطينيا أن يعول على نتنياهو وأن يتناسى سياساته القمعية والعنصرية، هل فعلا ما يحتاجه المواطن الفلسطيني لا يتعدى بعض الفتات والميزانيات وكأن قضيتنا بذلك تكون قد انتهت.

لا أريد أن أجزم بأن نهج عباس هو نتاج لمشروع مجموعاتي بعيد عن المشروع والقضية الفلسطينية العامة في الداخل ويعكس نفسية إقصائية تبحث عن الحلول لمركب على حساب آخر وبذلك يكونوا قد نفذوا مشروع نتنياهو بسياسة "فرق تسد" مقابل الحصول على فتات للمجموعة الضيقة التي يمثلها عباس، ويعتبر ذلك غدرا وتلاعبا على الإجماع الفلسطيني في الداخل وقضيته وبذلك نرى أن عباس غرس المسمار الأخير في نعش المشتركة التي يصبو إليها فلسطينيو البلاد، إضافة إلى التغرير بهم والتلاعب بمشاعرهم باستغلاله لمشروعهم واعتباره شعارات رنانة تستعمل فقط كدعاية انتخابية ولا مكان لها في نهج وتصرف المنتخبين من بعدها.

وبما أن فلسطينيي الداخل يعولون على مشروع الشراكة ويفضلون أن تبقى الشراكة، وبما أن عباس منصور يمثل أحد التيارات، ولكي لا تحدث البلبلة والتفرقة التي يصبو إليها نتنياهو بمساعدة منصور، يجب على منصور عباس الاعتذار عن هذا النهج والاعتراف بالخطيئة التي اقترفها أو أن تقوم الإسلامية بإخراجه إلى التقاعد من عالم السياسة والتفرغ للعمل بمجاله المهني كطبيب أسنان لأن المجال بحاجة إليه عله يكون أكثر نجاعة.

لم ننته من تلويث أذهاننا من الانبطاح أمام نتنياهو ومحاولة الخروج من أزمة الثقة التي انتجها ومحاولة إنزال منصور عباس عن الشجرة، يخرج علينا سيدنا الشيخ كمال خطيب، أطال الله بعمره وأمده بسياسة التكفير والتخوين، وكأننا عبرنا كل الأزمات ولم يعد أمامنا أي معضلة سوى أن نبدأ بالتراشق فيما بيننا وصك فرامانات التكفير والإقصاء.

شيخي، ما هكذا تؤكل الكتف، كما أنه من البديهي أن يكون اختلافات بيننا، ولكن قضيتنا واحدة وعدونا مشترك، وكنت أفضل أن تقوم بالبحث عن بدائل اجتماعية دينية ومشاريع نهوض بمجتمعنا لإنقاذه من أزمته فعليا وعدم الاتجار بالقضية.

سيدي العزيز، نعي جيدا الأزمة التي تمرون بها، كما نحن، فلنا ما لكم وعلينا ما عليكم، فشئت أم أبيت نحن بذات القارب.

نحن بذات القارب الذي فرضته علينا الصهيونية الاستعمارية بذراعها المؤسساتي المتمثل بحكومات إسرائيل، ومشروعنا مناهضة سياسة هذه المنظومة الاستعلائية الاستعمارية، وكل ما هو دون ذلك فهو مشروع بغيض يؤجج نار الطائفية والتفرقة التي لا تخدم مشروعنا.

نحن بأكثريتنا الساحقة نعي جيدا أنه علينا التكاتف لصد الهجمة الشرسة على مجتمعنا على جميع الأصعدة، فنحن أمام ترسانة لا يستهان بها، تعمل بشكل ممنهج للسيطرة حتى على الأفراد ونهجهم، حيث تحولت هذه الترسانة من سياسة المواجهة والاعتقالات والقمع إلى سياسة الإعلام الموجه والتي بدأت تنخر بمجتمعنا بكل أطيافه، فحري بك عزيزي إقامة مشاريع مناهضة لهذا المشروع وترك الخلافات جانبا، وإن كان لا بد، فناقش النهج وليس الأشخاص، فالنقاش ما دام حضاريا وواع فهو مبارك، أما التهجم ومحاولة تشويه الأشخاص ومهاجمتهم فهو أمر بغيض ولا يخدم أحدا.

وما بين سياسة منصور عباس النتنياهوية وبين سياسة كمال خطيب الإقصائية، قضية ما زالت تنبض وما زالت تواجه الانتهاكات، ويجب علينا أن نواجه هذا المشروع بأدبياتنا وأخلاقنا ورسالتنا أمام العالم وألا نترك فجوة لأي اختراق، فما تقومان به كل من مكانه يعزز التفرقة ويخدم سياسة المؤسسة في اختراق مجتمعنا.

حري بنا أن نعمل ليل نهار أمام سياسات الهدم والإقصاء التي تنتهجها المؤسسة الإسرائيلية، فاختلافاتهم كثيرة، وحري بنا أن نناقشها باحترام، فلا أحد منا يمتلك الحقيقة المطلقة، ولا يوجد بيننا رسول من عند الله أو من عند مريديه، حري بنا أن نعزز روح الانتماء والاصطفاف صفا واحدا للنهوض بمجتمعنا الذي يعاني من العنف والجريمة، فالطريق إلى الله مرصوفة بالورود وجميعنا نحترم الذات الإلهية ونصبو إلى إرضائها كل على طريقته، فلو ملك أحدنا الحقيقة المطلقة فسنقوم بترسيمه واليا أو خليفة يقودنا إلى الخلاص.

للحقيقة، ومن معركتي في هذه الحياة بكل ميادينها ما عرفت واحدا حتى الملحدين منهم لا يبحث عن إرضاء الذات الإلهية كل على طريقه، فلنترك ذلك لمحكمة السماء ولننتهج نهجا وحدويا يوصلنا إلى الخلاص من الاحتلال، القمع والعنصرية ولنقم بتعزيز انتمائنا العروبي والإسلامي المبني على احترام الآخر والغني بالقيم والأخلاق.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط