الفرصة التي لا نستحقها

منيب طربيه

الكثيرون من بيننا امتنعوا عن النقد أو الكتابة ضد بعض مركبات المشتركة لفترة طويلة لضرورة وجودها كتيار جامع لفلسطينيي البلاد، وتحقيقا لحلم الوحدة الحقيقي الذي طالما صبونا إليه، إضافة لدورها في تجميع تيارات تحت مظلة واحدة على أمل أن تستقطب تيارات أخرى في المجتمع الفلسطيني في الداخل.

لقد كانت فكرة إقامة القائمة المشتركة ناجحة جدا، حيث كان من الواضح أن شعبنا دعم بشدة فكرة أن نكون يد واحدة في ظل الظروف الاستثنائية والكارثية التي يعيشها شعبنا.

لدينا الكثير مما يقال في هذا الصدد والقائمة طويلة من النصائح والانتقادات التي ظهرت منذ البداية خاصة أننا في ظل تجربة جديدة، ولكننا فضلنا أن نتعامل مع ذلك بحذر، لأننا لطالما أردنا أن نقف صفا واحدا في وجه النظام الفاشي. كما أن إخراج فكرة الوحدة إلى حيز التنفيذ كان أمرا شبه مستحيل.

لسنا مبصرين ولا نعلم بالغيب ولكننا كنا على دراية تامة بأنه ستكون هناك عدة قلاقل وأزمات كما يحدث الآن، ولكننا فضلنا دفع عربة المشتركة إلى الأمام وتجاهلنا الكثير من التصريحات التي بدرت عن بعض مركبات المشتركة خدمة لاستمرار المشروع، وهناك الكثير من العوامل المشتركة التي من الممكن أن تشكل رافعة لشعبنا، فالنضال واحد، الند واحد وكذلك العدو.

الكثيرون منا يعرفون يقين المعرفة أن الكنيست ليس مربط الخيل، ولكنه أداة التي من الممكن استغلالها لبلوغ عمل وحدوي ومشترك لجميع التيارات في هذه البلاد، على الرغم من وجود بعض المركبات التي باتت ترى الكنيست هدفا مركزيا في نضالها.

ففي الأفق شعب تحاول المؤسسة الإسرائيلية التلاعب بمصيره لأكثر من سبعين عاما، وشعبنا يبحث عن العيش بكرامة في ظروف كيدية، التي تأتي بالبعض أحيانا إلى التماشي مع الشروط التي فرضت عليه، خاصة وأن عروبية الهوية وفلسطينية المنشأ باتت كالجمرة في يد الكثيرين، وذلك بسبب قلة الحيلة وفقدان الأمل في ظل قيادة تتلاعب بمصير شعب وتأتي به إلى فوهة البركان الذي سينفجر يوما في وجه المؤسسة والقيادات الهاوية.

شعبنا عربي فلسطيني، يفخر بهويته وانتمائه كأساس وأمر مفروغ منه في النضال لتحقيق المصير والحياة بكرامة، ويعتبر هذا الأمر نقطة انطلاق لكل واحد منا، ومن يعول على غير ذلك فهو هاو ومغرور ومهووس ببريق أزلام المؤسسة المزيف.

ولو كنا قد سألنا باستطلاع رأي أبناء شعبنا عن رضاهم بنهج بعض مركبات المشتركة، فإنه قطعا سيجيب بأنه غير راض، وكان قد تمنى عدم وجودها أصلا بسبب نهج البعض المخجل، فليس هذا ما تمناه شعبنا، لأن رؤية وتطلع شعبنا أكثر بكثير مما يظن بعض المارقين في السياسة والذين يحاولون المقايضة على مصلحة شعبنا وكأن مبتغانا فتات أو منصب هنا وهناك في حكومات إسرائيل.

إن بداية السقوط كانت بموازاة النقاش حول التوصية على غانتس، فذلك أعطى البعض الحجة للتمادي أكثر والارتماء في أحضان حكومة نتنياهو الأكثر فاشية منذ سنوات.

لا يمكن تفسير الارتماء في أحضان نتنياهو إلا أن المدعو منصور عباس القيادي لا يفهم بالسياسة ويرى بشعبنا وسيلة لخدمة مشروعه الشخصي، أو أنه هناك في أحضان اليمين مع سبق الإصرار والترصد لأن الهوية الزرقاء باتت هدفا ساميا بالنسبة له، ولكنه بهذا النهج نسي أنه لو كانت الأمور كذلك، وأن شعبنا غير واع، لكان قد اختار الطريق مباشرة إلى نتنياهو، ولكن كما يبدو أن السيد عباس أغوته الوعودات، وهام أمام نتنياهو على وجهه بدونية منقطعة النظير، حيث أدى ذلك إلى ضعضعة الثقة بين المواطن والقائمة المشتركة.

لمن فاته الأمر من الدخيلين على الساحة السياسية، فإن شعبنا دعم المشتركة، لأنه يرى بها أمل الوحدة واللحمة والتي عن طريقها من المفروض بناء لجنة المتابعة أو جسم جامع مشابه للوصول إلى استقلالية تامة للحفاظ على الهوية الفلسطينية والانتماء العروبي.

إن مجتمعنا غني بالطاقات وغني بالشخصيات الريادية في شتى المجالات والمتعطشة للمساهمة والخدمة لصالح مجتمعنا ورفعته.

وحبذا لو استخلص السيد منصور عباس من التوصية على غانتس، بأنه لا يعول على أي رئيس حكومة صهيوني استعماري، وكان حري به القيام بالعمل الجاد في بناء مؤسسات في مجتمعنا بدل العدو وراء النجومية والشعبوية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

لقد عملت المشتركة حتى التوصية على غانتس بشكل جيد وكانت تشق طريقها بخطى ثابته رغم الخلافات الكثيرة.

ولكن تجاهل التحذير من التوصية على غانتس وأن ذلك كان فخا، أدى إلى قيام بعض الهواة للانبطاح على موائد اللئام في بلفور بكل مخزي.

إن خطيئة ما قام به السيد منصور عباس لا تغتفر، حيث ختمها بعدم التصويت لإسقاط حكومة نتنياهو، مغررا برفاقه الثلاثة، حيث ظننا حتى تلك اللحظة أن ذلك نهجا فرديا مارقا ولا يستحق الالتفات، ولكن في التصويت الأخير الذي قض مضجعنا أن هذا نهج جماعي خطير يجب أن يحاسب عليه من قام به لكي لا يجرؤ أي أحد على القيام به مستقبلا.

هذه فرصة لا نستحقها والتي من الممكن أن يعطينا اياها شعبنا مرة أخيرة، فلنعيد ترتيب الأوراق ولنعمل وفق برنامج واضح وصريح، ولتكون شعاراتنا الانتخابية هي نهجنا وإيماننا لا وسيلة للتغرير بالناس، ولتعمل مركبات المشتركة على كتابة ورقة خطوط حمراء واضحة وليعاقب من تسول له نفسه أن يتخطاها.

كما أنه يجب تعزيز مكانة ودور لجنة المتابعة لتصبح اللجنة العليا، وهذا أمر أهم بكثير من الكنيست ويجب تعزيز مكانتها لتصبح مرجعية للجميع والتي من الممكن عن طريقها أن يحاسب كل من يخرج عن الإجماع الوطني، حيث لا يعقل أن يسمح ايا كان لنفسه بالتلاعب بمصير شعب حافظ على هويته رغم العواصف العاتية لعشرات السنين وأن يأتي بوثيقة اندماج مذلة مشروطة بتلقي بعض الفتات.

لن يسامح شعبنا على أي هفوة مستقبلا، فهذه فرصة لكل صوت وطني، لذا يجب أن نعيد ذكر قائمة الخطوط الحمراء التي ستكون مستقبلا دستور استقلالنا الذاتي والتي يجب أن يحترمها كل من يريد أن يكون شريكا في القائمة المشتركة.

إن فلسطينية أي فرد في هذه البلاد لا تبدل بأكبر الميزانيات أو الوعودات العرقوبية التي برقت أعين البعض لها.

لنعمل سويا بجد وجهد مضاعفين لإزالة غبار هذه المرحلة، على أمل أن يسامحنا شعبنا على ما اقترفناه، فطالما عولنا على طيبة شعبنا وحبه لأرضه وشعبه، لا على يمين الحكومة ولا يسارها، ولنجعل هذه المصيبة، فرصة لإعادة خطابنا الوطني إلى واجهة العمل السياسي.

مقالات بقلم منيب طربيه أيضًا | لجنة المتابعة العليا


تصميم وبرمجة: باسل شليوط