الدين لله والوطن لله

منيب طربيه

لست بصدد المقارنة أو المفاضلة بقدر ما أنا بصدد ترك المسلمات الدينية، الأخلاقية والوطنية لمرجعيات، مؤسسات، معابد ومعاهد تختص بالتحليل، التمحيص والاجتهاد، وتعمل ليلا نهارا على الوصول إلى الحقيقة بعيدا عن الأمور الدنيوية لأن الدنيا متاع الغرور وبها الكثير من المغالطات والهفوات.

يجتهد الكثيرون بمحاولة فصل الحيز العام السياسي عن الدين ومنهم من يخلط الأمرين بالوكالة على أنه صاحب الشأن فضلا عن غيره، فلا ذاك أصاب ولا ذاك فلح. كما يحاول البعض إقصاء الآخر ونسب بعض المسلمات الدينية أو الدنيوية لنفسه فضلا عن غيره، فالدين لله والوطن لله، ومن المفروض أخلاقيا أن يتناقش وحتى يتناحر الجميع ما دون هذه المسلمات لأنها حيز اختياري للجميع وليس لأحد منكم فضلا عن غيره به.

ففي المحافل الدنيوية يستطيع الكثيرون أن يجتهدوا، كما أنهم يستطيعون نسب ما شاؤوا بملكية روحانية أو مادية في ما ملكت أيديهم وما وسع أفقهم.

لست أكثر تدينا من أحد ولا أكثرهم وطنية، ولكني أعي جيدا معالم حدودي الظاهرة منها والباطنة، ففي حين أردت أن أجتهد لأنظم حياتي الخاصة قمت بالاستثمار بما هو متاح من الأدوات المادية والروحانية وحافظت خلال هذه المسيرة أن لا اتعدى على أملاك ومشاعر من حولي ولا احتكار حيز عام لمصلحتي الشخصية أو المجموعاتية.

وبين مشروع شخصي أو مجموعاتي ضيق وبين نهج جمعي يتميز بتداخلاته الكثيرة، فرق كبير، ومن المفروض أن نكون ذوي حس وأخلاق في نهجنا وألا نحتكر ما هو للجميع لصالحنا فضلا عن غيرنا.

ففي الوقت الذي لا أسمح أن أنسب لنفسي أو لمجموعتي العروبية الفلسطينية وأقصي غيري، لن أسمح لأحد أن يحتكر الدين وأن ينصب نفسه حامي حمى المقدسات والشرائع.

ففي المعترك السياسي نحتاج إلى القليل من الأخلاق وأن نمارس اللعبة الديمقراطية بعيدا عن محاولة احتكار ما هو للعامة أجمع.

فكما قال فريدريك نبشه، "لم يترك الأغنياء للفقراء سوى الله" فحبذا لو انتهجتم بالمثل، فالله ملاذ الجميع بلا استثناء ولم يذكر نتشة عبثا أن مقاضاة الإنسان لنفسه هي المرحلة الأرقى في حياته ففي هذه المقولة الكثير من الإنصاف بحق الفرد والمجموعة.

فوجب على كل منا ألا ينتقص من قيمة غيره شيء بل ليبحث عن عيوبه ويترك الخلق للخالق، فكما قال العلامة الشيخ الشعراوي "إن مجموع كل إنسان يساوي مجموع كل إنسان آخر، وذلك هو عدل الله، فإذا كنت أحسن من إنسان في شيء فابحث عن النقص فيك في شيء آخر" فمن هنا وجب على كل منا ألا يحتكر حبه لله دون غيره ولا أن يحتكر حبه للوطن دون غيره، فالأخلاق بما آمنت أن تقرب كل بعيد من نهجك، هذا إذا كان نهجك صواب، فلا إكراه في الدين ولا في أي شيء آخر، فحب الذات الإلهية وعشقها يترجمه كل منا بحسب إمكانياته الدينية أو الروحانية ولا حق لأي كان أن يقحم موضوعات وجودية في أجندته الدنيوية ويحاول احتكارها دون غيره بلا وجه حق لغايات دنيوية لمجرد أنه سخر لنفسه ولمجموعته مقدرات روحانية ومسلمات دنيوية والتي من المفروض أن يكون مردودها للعامة.

قانون الملكية الروحانية والدنيوية يوضح بشكل قاطع ما هي حدود الفرد والمجموعة وذلك في جميع الكتب الدنيوية والسماوية، فلمن يريد الإبحار في معترك العامة لغاياته الشخصية والمجموعاتية حبذا لو لجأ إلى بعض هذه الكتب عله يعقل وينتهج نهجا به قسط من الأخلاق.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط