قراءة أولية في نتائج الانتخابات الأخيرة

إياد خلايلة

لا يمكن قراءة نتائج الانتخابات الأخيرة، على الصعيد العربي، دون البحث في المسببات للنتائج المريعة التي أفرزتها، وخاصة ما آل إليه العمل البرلماني للقائمة المشتركة على مدار السنتين الأخيرتين.

لقد تبنت المشتركة في انتخابات الكنيست الـ23 خطاب "التأثير" من خلال شعار إسقاط نتنياهو، بحيث تتمكن مشتركة قوية بمنع نتنياهو من تشكيل حكومة يمينية، وتشكيل حكومة بديلة تدعمها المشتركة من الخارج ويقودها حزب "أزرق أبيض" والذي شمل 4 جنرالات تاريخهم ملطخ بالدماء، عسى أن تقدّم مثل هذه الحكومة قليلا من الإنجازات المدنية للعرب في هذه البلاد.

لقد أقنع هذا الشعار الجمهور العربي، فصوّت بنسبة عالية وغير مسبوقة للمشتركة لتحصد إنجازا تاريخيا بلغ 15 مقعدا في الكنيست، وقد ساهم تحريض نتنياهو السّافر ضد العرب مواطني الدولة في خروج عدد كبير منهم للتصويت لصالح المشتركة.

لقد تسارعت مكونات المشتركة في التوصية على غانتس لرئاسة الحكومة، حتى قبل أن تأخذ منه تعهدا بتحقيق ولو قسم من حقوق العرب في البلاد، وكان الجو العام في الشارع العربي داعما بشكل جارف للتوصية على غانتس، وحين علت أصوات في التجمع بأنه ليس في وارد التوصية على غانتس، جاوبه هذا الموقف بهجوم عنيف على التجمع ليس من قبل مكونات المشتركة فحسب، بل من السواد الأعظم من الناس متهمين التجمع بأنه سيفوت عليهم الفرصة التاريخية للتأثير في صنع القرار الإسرائيلي، وفي تحقيق آمال وتطلعات المواطن العربي بالعيش الآمن ووقف هدم البيوت وتحسين ظروفه المعيشية، فرضخ التجمع للضغط وانضم لركب التوصية على غانتس.

لكن سرعان ما تبددت الآمال/ الأوهام على صخرة المنظومة الإسرائيلية الصهيونية، والتي لا ترى بالعرب مواطنين حقيقيين في هذه الدولة، ليتبين أن غانتس ومعسكره يرفضون جملة وتفصيلا مشاركة العرب في صنع القرار الإسرائيلي، حتى في مهمة إزاحة رئيس فاسد من سدّة الحكم، فاختار غانتس تذيّل نتانياهو على تصدّر المشهد بدعم العرب، الأمر الذي أدى إلى سخط المواطنين العرب ورغبته في معاقبة "يسار الوسط" الإسرائيلي الذي خانه.

نتنياهو ومستشاروه قرأوا الخارطة السياسية العربية، وقرأوا نبض الشارع العربي، أفضل مما قرأته قيادة المشتركة، وفهم نتنياهو بأنه لا يستطيع أن يشكل حكومة في ظل قائمة مشتركة قوية، وبحث عن الوسائل لضرب المشتركة، من خلال خلق الأجواء المواتية لعزوف العرب عن التصويت لها، فتوقف عن التحريض ضدّهم، صبّ القهوة في مضاربهم، واشترت زوجته فستانا من دكاكينهم، وتجول بينهم متغطيا بفرو الحمل مستجديا عطفهم وكرمهم، وفرّق مشتركتهم وصفّهم، من خلال خروج الحركة الإسلامية من القائمة المشتركة وخوض الانتخابات بشكل مستقل، تحت نفس شعار التأثير، بحيث أن التأثير لا يكون حصرا بإسقاط نتنياهو، بل ممكن أيضا من خلال نتنياهو.

لقد لاقى شعار الحركة الإسلامية بالتأثير مع نتنياهو رواجا لدى قسم لا بأس به من جمهور المصوتين، خاصة بعد الضربة التي تلقاها العرب من غانتس وحزبه، وفي ظل اضمحلال إمكانية التأثير من خلال المعسكر المناوئ لنتنياهو، وأردفته الحركة الإسلامية بشعار المحافظة، مستغلة أن الأغلبية الساحقة من مجتمعنا محافظة، لتستطيع النجاح في الانتخابات والحصول على 170 ألف مصوت تقريبا.

في المقابل، ورغم سقوط شعارها بالتأثير من خلال إسقاط نتنياهو، وفشل رهانها على المعسكر المناوئ له، اجترت المشتركة بمركباتها الثلاث نفس الشعارات السابقة ولم تجددها، ولذلك كان سهلا على الموحدة جرّها إلى فخ المثليين والطحينة، فخرج جمهور الأحزاب الثلاثة وصوّت للمشتركة بتفاوتٍ معين، ولكن الجمهور غير المحزّب وغير المسيّس، والذي صوّت سابقا للمشتركة الجامعة، اعتكف في بيته وامتنع عن التصويت لعدم اقتناعه ببرنامج المشتركة وشعاراتها. 

من المرجّح أن يفشل النهج الذي قاده منصور عباس في تحقيق نتائج ملموسة، نظرا لأن رهانه على معسكر اليمين (المحافظ) سيلاقي رفضا قاطعا في هذا المعسكر، والذي يضم حزبا عنصريا بتميّز يضم كل من سموتريتش وبن غفير واللذان يسعيان لهدم الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه، وطرد العرب من هذه البلاد، ويكرهون العرب ويحقدون عليهم على من تزلّف لهم منهم، وسيؤدي ذلك إلى انتخابات جديدة قريبة، ولكن ذلك لن يجدي المشتركة كثيرا، لأن هذه النتيجة ستزيد من حالة الإحباط لدى المواطنين العرب، وامتناع نسبة أكبر في الانتخابات القادمة.

برأيي المتواضع، الحل يكمن في مصارحة الجمهور بالحقيقة، وهي أن هذه المنظومة العنصرية بيمينها ويسارها، لا تقبل ولن تقبل بالعرب شركاء في صنع القرار الإسرائيلي، وإذا كان لا بد من خوض الانتخابات، فليكن بطرح الكنيست كمنبر لطرح قضايانا كأقلية أصلانية في هذه البلاد، ومحاولة التأثير من خلال استخدام الوسائل البرلمانية، كاللجان البرلمانية والاستجوابات، في موازاة تبني سبل نضال أخرى، من خلال تقوية لجنة المتابعة، والنضال الشعبي، كالحراك الشعبي الذي ناهض مخطط برافر، وكما يحدث في الحراك الفحماوي المناهض للجريمة.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط