صيام، نكبة واستقلال

مسيرة العودة إلى اللجون، الخميس

حل يوم استقلال المؤسسة الإسرائيلية في الثالث من رمضان هذه السنة ليذكرنا من جديد بأننا هُجِّرنا ليس فقط من بيوتنا وأراضينا وإنما من ذاتنا وثوابتنا وعقيدتنا وإيماننا بأننا أصحاب الأرض الأصلانيين، لا ضيوف كما يفضل البعض أن يعرف نفسه ولا مشكله له مع ذلك.

لمن فاته الأمر ليس بذلك الزمن البعيد، أي قبل أربعة وسبعين عاما، عاش أجدادنا معززين مكرمين على أرضهم وفي بيوتهم مطمئنين، عاشوا أسيادا ومارسوا حياتهم دون أي وساطة أو مقايضة على حقوقهم ولا على مكانتهم كأصحاب الأرض.

سنة 1921 تأسست عصابات "الهاجاناة" والتي شكلت فيما بعد النواة لجيش الاحتلال الإسرائيلي والتي لم يعيرها العرب الفلسطينيون في ذلك الوقت أي اهتمام يذكر، حتى ظهرت فيما بعد بشكل منظم لتشكل شبكة دفاع لإقامة الكيان الإسرائيلي في ظل تخاذل الأنظمة المتواطئة وحماية غربية منقطعة النظير. لم يأبه القادمون الجدد ولا وكلاء الحركة الصهيونية آن ذاك لوجود سكان فلسطينيين في هذه البلاد ودأبوا أن ينجحوا مخططهم وإبادة وحرق كل من يعترض طريقهم، وحصل فعلا أن تعلن دولة الكيان عن استقلالها عام 1948 دون الاكتراث لوجود سكان فلسطينيين يقبعون تحت احتلالهم بعد أن هجروا عددا لا يستهان به منهم، وخططوا لتهجير من تبقى فيما بعد على مراحل، لولا أن الظروف وبعض التحديات بددت ذلك الحلم لديهم وبقي من بقي من فلسطينيين في هذه البلاد.

اتشحت البلاد بالسواد من ذلك الوقت ولم يهنأ الفلسطينيون بالهدوء وقاوموا قدر استطاعتهم للحفاظ على ما تبقى لهم من وطن وأرض بداخلهم وفي بيئتهم وما زالوا يقاومون بما ملكت ايديهم دون هوادة أو كلل.

دأبت المؤسسة الإسرائيلية منذ قيامها أن تتعامل مع فلسطينيي البلاد على أنهم رعايا لا مواطنين وتعتبرهم في كثير من الأحيان طابورا خامسا وتضعهم تحت المجهر في جيتوات افتراضية تتبع خطواتهم وتحركاتهم عن طريق الأجهزة الأمنية وتعمل ليل نهار على ترويضهم بتحويل بعضهم إلى "عرب جيدين" عند أسيادهم في الغرف المغلقة، حيث كان يخجل العربي الجيد بإظهار تواطئه وعمل بالخفاء أو تحت مسميات افتراضية شعبوية ليكسب بعض الفتات من المؤسسة وبعض الاحترام ممن حوله.

بقي "العرب الجيدون" قلة قليلة حتى يومنا هذا، ويتحركون في فلك بعضهم ولا يشكلون حالة جماهيرية تذكر، خاصة أن فلسطينيي البلاد مرتبطين ارتباطا وطيدا بأرضهم ولم ينسوا يوما أنهم مضطهدين ويقبعون تحت نير المؤسسة بنظام أبرتهايد عنصري لا يريد لهم خيرا.

بقي الأمل موجودا وحاضرا بقوة حتى اليوم، ويتمثل ذلك بإحياء المناسبات الوطنية دون مساومة على الثوابت ويقفون صفا واحدا في وجه المؤسسة في حال أي اعتداء عليهم.

إن الجهر الذي يتبناه البعض بمجاراة رجال المؤسسة مؤخرا، لهو أمر مقلق ويدعو إلى إعادة بناء للحركة الوطنية من جديد ووضع النقاط على الحروف لكي لا يشطح من شطح مؤخرا من جديد.

تقع هنا المسؤولية الكبرى على الحركة الوطنية في صد أي نوع من أنواع المساومة والمقايضة مع المؤسسة، وأننا لسنا رعايا ننتظر الفتات والحسنة من أحد، وإنما نحن مشروع وطن، أصحاب حق وهوية غير مشوهة، وليس هناك من يمن علينا ويشترط علينا ولسنا مجبرين على احترام مشروط بالفتات.

استقلالهم نكبتنا، هذه هي المعادلة التي يجب أن نبقى متيقظين لها، وهذا ما يجب أن يفهمه بعض الهواة، وهذا ليس تاريخا أكل عليه الدهر وشرب، إنما هذا نهج حياة متجدد ويبقى فينا ما حيينا.

وما دمنا في هذا الشهر الفضيل، أتمنى للأمة العربية والإسلامية صوما مقبولا وإفطارا شهيا، كما لا يليق بهذا الشعب أن تسخر منه الأمم بأننا "صمنا وصمنا وأفطرنا على بصلة."


تصميم وبرمجة: باسل شليوط