ثماني ملاحظات حول تأجيل الانتخابات الفلسطينية

(وفا)

*الملاحظة الأولى: جاء تأجيل انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني بذريعة رسمية هي «رفض إسرائيل السماح للفلسطينيين التصويت في القدس». الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني، وكل المتابعين العرب والأجانب للشأن الفلسطيني، لا يقتنعون بهذه الحجّة، ويجمعون على أن السبب الحقيقي هو الاعتقاد أن نتائجها ليست مضمونة بعد انهيار التفاهمات بين فتح وحماس، حول القائمة المشتركة للمجلس التشريعي، وعلى محمود عبّاس كمرشّح توافقي للرئاسة، وبعد الانقسام في قائمة حركة فتح، وبروز إمكانية منافسة جدّية بترشيح مروان البرغوثي للرئاسة. لقد كان التأجيل متوقّعا ولم يفاجأ به أحد. وبما أن سقف التوقّعات كان منخفضا أصلا، كان الرد على التأجيل محدودا وباهتا واقتصر على بيانات التنديد لا أكثر. لم يحمل الرد على تأجيل الانتخابات طاقات كافية للانطلاق والخوض في معمعان الفعل السياسي المطلوب لرد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني ومقاومة الاحتلال وإعادة صياغة «النظام السياسي الفلسطيني». هناك حاجة لشحن البطّاريات من جديد.

د. جمال زحالقة

*الملاحظة الثانية: ما هي حقيقة الموقف الإسرائيلي من الانتخابات؟ لم تعلن إسرائيل موقفا رسميا من الانتخابات، ولكن من الواضح أنها لم تكن معنية بها، وعملت على إقناع القيادة الفلسطينية بالتراجع عنها، وعرضت عليها «أسبابا» تسهّل تبرير التأجيل والإلغاء. في المقابل حرصت الخارجية الإسرائيلية على شرح موقفها في جلسات مغلقة مع الدبلوماسيين الأجانب، وطرحت أن إسرائيل لا تتدخل في الانتخابات الفلسطينية، ولا تسعى لعرقلتها، ولكنّها لا تتعاون معها بسبب مشاركة منظمات تسميها «إرهابية». كما ادعت الخارجية الإسرائيلية في هذه الجلسات أن السلطة الفلسطينية لم تقدّم طلبا رسميا لإجراء الانتخابات في القدس، في إشارة إلى أن الطلب الفلسطيني اقتصر على «إجراء الانتخابات كما في السابق» ولم يتطرق للقدس بشكل صريح. وطرح مسؤولون إسرائيليون تساؤلًا أمام الدبلوماسيين الأجانب مفاده، أن انتخابات 22/5 ستكون يوم السبت، وهو يوم عطلة رسمية فيه مكاتب البريد مغلقة، ولا يمكن فتحها وفق القانون الإسرائيلي. هل حقّا لم تأخذ القيادة الفلسطينية هذا الأمر بالحسبان، حين أعلنت عن اجراء الانتخابات في هذا التاريخ؟

*الملاحظة الثالثة: إسرائيل أبقت موقفها من الانتخابات في القدس ضبابيا، ولم تعلن معارضتها حتى تربح العالمين: من جهة تقدم للقيادة الفلسطينية مبررا للتأجيل، على اعتبار أنّها «لم توافق» على تصويت المقدسيين، وتحتمي امام المجتمع الدولي بموقف «لم تعارض». وقد نجح هذا التكتيك بحدوث التأجيل، وعدم تعرّض إسرائيل لمساءلة دولية حول تعطيل انتخاب ديمقراطي. ولكن إسرائيل لم تبذل جهدا يذكر للاختباء خلف الموقف الضبابي، وقامت الأجهزة الأمنية بتسريب معلومات عن معارضتها للانتخابات عموما، وليس في القدس تحديدا، وخشيتها أن تأتي بنتائج تغيّر الوضع الراهن إلى الأسوأ في المنظور الإسرائيلي، خاصة إذا تعززت مكانة حماس في الضفة الغربية، ما قد يفتح الباب أمام تغلغل إيراني في منطقة حساسة جدا للأمن الإسرائيلي. ما قد يؤدّي إلى انهيار التنسيق الأمني ونشوء حالة خطيرة من عدم الاستقرار.

تأجيل الانتخابات خطأ جاء ليعالج الخطأ الأول وهو الإعلان أصلا عن انتخابات تشريعية تحت سقف أوسلو

*الملاحظة الرابعة: حتى لو وافقت إسرائيل على إجراء الانتخابات في القدس، فهي ستجري كما كان سابقا في مكاتب البريد، ويحق التصويت فيها لحوالي 6 آلاف ناخب مقدسي فقط من أصل أكثر 50 ألفا أصحاب حق اقتراع، تصوّت غالبيتهم في صناديق في مناطق محيطة بالمدينة وليس في إطار حدودها. ووفق قرارات حكومية إسرائيلية سابقة، فإن التصويت في القدس يخضع لعدم المساس بما يسمى السيادة الإسرائيلية في المدينة. وعليه تجري الانتخابات في مكاتب البريد فقط، ولا تراقبها لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، وتتم على نسق تصويت البعثات الدبلوماسية والسفارات الفلسطينية في دول العالم المختلفة. ووفق هذا التأويل الإسرائيلي فإنّ القدس هي «منطقة خارجية» وليست جزءا، حاليا او مستقبلا، من الكيان الفلسطيني. وإمعانا في التأكيد على ما تدعيه من سيادة على القدس، تصر إسرائيل على تحديد مكان فتحة الصندوق الذي تدفع من خلاله مغلفات التصويت، وترفض أن تكون الفتحة في الجزء العلوي، لأنّه يكون عندها صندوق اقتراع، وتصر على فتحة في أحد جوانبه على شكل صندوق بريد. وبهذا تحاول أن تضمن أن يكون التصويت الفلسطيني في القدس مغلفات رسائل في صندوق بريد، لا بطاقات تصويت في صندوق اقتراع. لقد رفضت إسرائيل الإعلان عن موافقتها حتى على تصويت المقدسيين بهذا العدد، وبهذه الطريقة، وكان من المفروض أن تتلقف القيادة الفلسطينية هذا العائق وتحويله إلى رافعة للتخلص من الاتفاقات السابقة بشأن الانتخابات في القدس، وإجرائها رغم انف الاحتلال في عشرات ومئات المواقع، وتحويلها إلى شكل من أشكال المقاومة السلمية. لم يحدث هذا، وحتى لم يناقش بجدّية، ببساطة لأنه لا توجد استراتيجية نضال شعبي تستفيد من هذا الحال.

*الملاحظة الخامسة: الإعلان عن تأجيل الانتخابات بسبب الموقف الإسرائيلي، هو إعلان خضوع للإملاءات الإسرائيلية على حساب الإرادة الشعبية الفلسطينية. فقد سجل للتصويت 93% من الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزّة، وطرحت 36 قائمة انتخابية ودلّت الاستطلاعات على أن نسبة عالية جدّا من الناس تنوي التصويت. صحيح أن سبب التأجيل الحقيقي هو الخوف من نتائج غير مضمونة وبداية خسارة السلطة، لكن الإعلان عن أن الموقف الإسرائيلي هو السبب، هو تراجع امام دولة الاحتلال بدل القيام بتحدّيها.

*الملاحظة السادسة: إذا كان القرار هو التأجيل، فمتى ستجري الانتخابات إذن؟ قرار التأجيل يربط إجراءها بالموافقة الإسرائيلية على التصويت في القدس، وهذا يلغي أي مفهوم لاستحقاق دستوري أو غيره، ويعني عمليا عدم إجراء انتخابات في الأمد المنظور. هناك أيضا رأي بأن الانتخابات تحت الاحتلال تجري مرة واحدة فقط، بادعاء أن العودة إلى انتخابات تعني منح شرعية للاحتلال. وعليه لم تجر انتخابات بعد فوز ياسر عرفات في انتخابات 1996، إلا بعد موته والحاجة إلى انتخاب رئيس جديد. معنى هذا الكلام أن لا انتخابات ما دام الرئيس على قيد الحياة.

*الملاحظة السابعة: تأجيل الانتخابات كان خطأ جاء ليعالج الخطأ الأول وهو الإعلان أصلا عن انتخابات تشريعية تحت سقف أوسلو. ليس المطلوب انتخابات للعودة للانضواء تحت مظلة اتفاق أوسلو، بل خطوات للخروج من تحت هذه المظلة، التي تحجب شمس الحرية. أولى هذه الخطوات هي إعادة بناء منظمة التحرير، بمشاركة الفصائل والقوى السياسية والشعبية الفلسطينية كافة. المطلوب رد الاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني كحركة تحرر وطني، وليس رد الاعتبار لاتفاق أوسلو وإفرازاته المحكومة بقيوده. هذا يأتي من خلال انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني، ليكون هو المرجعية للسلطة الفلسطينية، وليكون الأساس الذي تبنى عليه منظمة التحرير الفلسطينية. وإذا كان لا بد من رزمة كاملة، فلتبدأ بانتخاب المجلس الوطني وبعدها انتخاب بقية المؤسسات.

الملاحظة الثامنة: كل ما دار حول الانتخابات ليس منزوعا عن السياق الفلسطيني العام. فماذا تفيد الانتخابات التشريعية في التحرر من تقييدات أوسلو؟ وماذا تفيد في انهاء الانقسام؟ وماذا تفيد في رد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني؟ هناك حالة انسداد، ازدادت انسدادا في ظل التطبيع العربي، ولا خروج منها إلا بحراك شعبي سياسي يصنع الأمل. لقد انسدّت كل طرق المفاوضات، ووصل النضال المسلّح إلى حالة التكبيل. للخروج من هذا الوضع، يجري الحديث عن النضال الشعبي غير المسلح، كالذي كان في القدس في الأسابيع الأخيرة. هذا النضال الشعبي يأتي بموجات مهمة وفاعلة وفعّاله، لكنّه لم يتحوّل إلى حالة عاملة وشاملة وإلى استراتيجية ملزمة. والدليل هو الهروب منه وليس اللجوء إليه لمواجهة العراقيل الإسرائيلية للانتخابات في القدس.

*رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي


تصميم وبرمجة: باسل شليوط