هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين

تمر الساحة السياسية الإسرائيلية بحالة من التخبط منقطعة النظير والتي لم نشهدها من ذي قبل، يقودها أحد ملوك إسرائيل الذي يرى أنه القائد الأوحد دون منازع، بيبي نتنياهو، والمنظومة التي يفترض أن تكون ديمقراطية بات واضحا أنها أبعد ما تكون عن الديمقراطية، وهي ليست أكثر من منظومة فاسدة تعمل بأدوات مختلفة بقيادة الإعلام المأجور والمجند لتسويق هذا النظام التوتاليتاري أمام العالم الحر.

إن فترة وجود بيبي نتنياهو على سدة الحكم كانت كافية لفضح هذا النظام العسكري والشرطي، والتي تلاعب فيها أزلام السلطة لتحريك الأمور لصالحهم والتلويح بالقضية الأمنية في كل محفل، لتهرول الجماهير الإسرائيلية في تعزيز مكانة الحارس نتنياهو من التهديدات الإقليمية والداخلية.

لوّح بيبي نتنياهو بهذا الملف على مدار سنوات ونجح بذلك كل هذه الفترة، إلا أنه لم يحسب حساب أنه في هذه الفترة ولد أعداء كثر على الصعيد الشخصي ممن تحالفوا ضده بالانتخابات الكثيرة ويحاولون تصفية نتنياهو سياسيا.

إن أعداء نتنياهو كُثر على الساحة السياسية والذين يحاولون حتى اللحظة طي صفحته وإخراجه من اللعبة السياسية لأنهم باتوا يرون به فاسدا ويشكل خطر على أمن الكيان الصهيوني.

مرت إسرائيل بأربع معارك انتخابية خلال سنتين، والتي نجح بها بيبي نتنياهو من تشكيل حكومة، مستغلا تارة التهديد الإيراني وتارة وباء كورونا، إلا أنه لم يعد عنده حجج ليستقطب قيادات الأحزاب الأخرى وخاصة بوجود من يتربص له في كل خطوة ومستعد أن يتنازل عن كل شيء شريطة إنهاء نتنياهو أمثال لبيد وليبرمان.

إن هذا الانقسام في الشارع الإسرائيلي يدل على حجم الأزمة التي يمر بها الشارع الإسرائيلي والتي لا يمكن حلها كما يظن البعض.

في ظل هذه الأزمات وهذا الاستقطاب يهرول من لا له ناقة ولا بعير في هذا الميدان محاولا إنقاذ الكيان الصهيوني وإخراجه من أزمته مدعوما من مجلس الشورى، منصور عباس.

لا يعقل أن يشارك هذا التنظيم في حكومة يرأسها قادة المستوطنين والذين يحاولون تهويد القدس وإخراج فلسطينيين من أرضهم وإدخال مستوطنين مكانهم إضافة لمن يؤمن ببناء الهيكل في منطقة الأقصى، فلا دينيا ولا اجتماعيا ولا سياسيا من الممكن أن تشارك هكذا أزلام.

وكما أن المطالب التي وضعت على الطاولة لتشكل غطاء على هذا التحالف المشبوه، لم توافق عليها هذه التركيبة ولو شفويا، فما هو ذلك الشيء الذي من أجله تتلهف هذه الشخصيات لإنقاذ حكومة الكيان دون أي مقابل سوى بعض الأرقام التي ستبقى حبرا على ورق.

حتى لحظة توقيع اتفاقية دعم حكومة لبيد بينيت، كنت أظن أن هذه الهرولة يمثلها منصور عباس شخصيا فقط، ولكن بعدما تأزمت الأمور وتوجه لمجلس الشورى الذي وافق على إنقاذ حكومة بينيت لبيد، بات واضحا أن الحديث يدور عن مشروع إيمان وعقيدة في هذا التحالف.

أستحلفكم بالله أن تأتوا لنا بالبرهان الذي من أجله دعمتم هذه الحكومة، والذي من الممكن أن يشكل مردودا إيجابيا على مجتمعنا.

هل فعلا هذه الأرقام (30,20,10,2.5) كافية لبيع قضية شعب وإنقاذ حكومة الكيان الصهيوني؟

أستحلفكم بالله، هل أنتم على قناعة أن هذه الحكومة ستكون أفضل من حكومة نتنياهو وأقل عنصرية وإقصاء لأبناء شعبنا؟

إن الأحداث الأخيرة في هبة الكرامة كانت كفيلة لدعم موقفكم في عدم التوصية على إقامة أي حكومة، وخاصة أنه ما زال هناك أكثر من 500 معتقل في السجون الإسرائيلية يحتجزهم الكيان الصهيوني لمجرد أنهم ثاروا نصرة للأقصى وأبناء شعبهم.

في الوقت الذي خرجت الجماهير العربية عن بكرة أبيها إلى الشوارع، كان شركاءكم اليوم لبيد وبينيت وليبرمان وساعر، ينادون بأنه يجب ضرب هذه الحشود بيد من حديد، ومنهم من تفاخر بقتل العرب، هل هذه الأمور ليست كفيلة بردعكم عن مساندة هذه الحكومة؟

إذا كنتم فعلا مقتنعين أن هذه الحكومة ستخرج مجتمعنا من الظلمة إلى النور، أستحلفكم بالله هاتوا برهانكم وسألوّح بأعلامكم في كل محفل ليل نهار، ولكنكم لا تملكون البرهان وإنما تحاولون التغرير بجمهوركم وتحاولون إقناعه بأنكم غيورين على مصلحة هذا الشعب، ولكنكم على قناعة أنكم لم تأتوا بأي إنجاز سوى صفقة كالصفقات التي تليق بسوق النخاسة.

كان حري بكم أن تتركوا أطراف الصراع الإسرائيلي وشأنهم حتى ينهكوا بعضهم، دعوهم في غيهم يعمهون، فهذا الصراع يا سادة هو نتاج منظومة فاسدة وهو إسرائيلي بحت، وما لكم وهذا الفساد، ومنذ متى كان دور العرب الفلسطينيين أخذ دور الوسيط لرأب الصدع بين أقطاب السياسة الإسرائيلية؟

إن من أيد النهج الجديد الذي تبنيتموه عوّل على أنكم ستطالبون بحقوق الفلسطينيين برؤوس مرفوعة دون التنازل عن أي من الثوابت، إضافة إلى ذلك أن المطالب التي كان من المفروض أن تضعوها على الطاولة هي مطالب شعب بالتوازي مع المواطن اليهودي وليست مطالب أقل ما يقال عنها إنها رخيصة ولا تليق بمطالب شعب يطالب بالمواطنة الكاملة، إنما تليق بمطالب وافدين جدد أو رعايا يقيمون بشكل مؤقت ويطالبون بالتنقل إلى مسكن ثابت.

وأخيرا، إذا كان في جعبتكم ما لم تصرحوا به، هاتوا برهانكم إذا كنتم صادقين.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط