ما الجديد في نهجكم؟

يمر المجتمع الفلسطيني في الداخل، بحالة من التيه والبلبلة بسبب ضياع البوصلة التي ولدتها انتخابات الكنيست الأخيرة وتداعياتها. لم يكن مفهوم ضمنا من قبل اشتراك فلسطينيو البلاد في الانتخابات للبرلمان الإسرائيلي وحتى أن البعض تعامل مع من شاركوا بنوع من الاستهتار وحتى التخوين، في الوقت الذي رأت به بعض التيارات كنوع من محاولة التأثير على متخذي القرار لدى أزلام السلطة ومحاولة لتحصيل بعض الحقوق لفلسطينيي الداخل الذين وجدوا أنفسهم في مستنقع يصعب الخروج منه.

منذ أن بدأت الأحزاب العربية الاشتراك بانتخابات الكنيست كان النقاش في الشارع الفلسطيني في الداخل هو المشاركة من عدمها، أي المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية ليكون للفلسطينيين اعتبارا على الساحة السياسية وبين المقاطعين الذين طالما رأوا بأن اشتراك فلسطينيي الداخل بالانتخابات الإسرائيلية يساهم بتلميع وجه إسرائيل أمام العالم وأنه يعتبر نوع من أنواع الخيانة للقضية الفلسطينية.

إن إعادة الانتخابات 5 مرات على مدار سنتين أدخل فلسطينيي البلاد إلى أزمة ثقة، حيث لم يعد يثقوا بقياداتهم وخاصة أولئك الذين وعدوا جمهورهم بتحسين ظروفهم وانتزاع حقوقهم القومية والمدنية وكل ذلك بسبب صراعات الأحزاب والحركات فيما بينها على تقسيم المقاعد وخلافات أخرى، حيث ساهمت أبواق السلطة أيضا بتشويه دور الأحزاب العربية منفردة ومشتركة لتخلق حالة من البلبلة والتي أدت إلى عزوف نسبة لا يستهان بها من الفلسطينيين عن العمل السياسي والانتخابات للبرلمان الإسرائيلي.

كان واضحا وضوح الشمس أن الأزمة آخذة بالتفاقم وأن نسبة لا يستهان بها من المصوتين العرب بدأوا يبحثوا عن بدائل غير مدروسة بسبب سرعة تقلب الأحداث. وفي هذا الزخم من الأحداث استغلت أذرع السلطة حالة البلبلة وبدأت تشوه بكل مشاريع الأحزاب والحركات العربية التي لا ترى بنفسها شريكة بأي حكومة في الوقت الذي بدأت تسوق فيه نهجا انبطاحيا لا يرى بحكومات الكيان الصهيوني مشكلة بتصفية قضية شعب، بل شريكا لتحصيل بعض الفتات وتهميش القضايا القومية والوطنية التي عنونت مشاريع النضال أمام السلطة.

والأنكى من ذلك أن هذا النهج الانبطاحي حرص على إرضاء قيادات المجتمع الصهيوني وقام بعدة تنازلات عن الكثير من الثوابت وتجاوز سلسلة من الخطوط الحمراء، فمثلا حرص النهج الجديد بقيادة الموحدة على عدم ذكر أي مصطلح أو كلمة لها صلة بنضال فلسطينيي البلاد، ولا على أي كلمة تتعلق بقمع المجتمع الفلسطيني في الداخل والتعامل مع أذرع السلطة وأبواقها على أنهم شركاء في قضية اقتصادية بعيدا عن عشرات السنين من القمع والملاحقة والاستبداد.

إن هذا النهج الخطير يتعدى كونه انبطاحيا ويتنازل به العبد عن كرامته عند أسياده، إننا أبعد من ذلك وهو تشتيت البوصلة وخلق حالة من التشويه ليس سهلا تجاوزها وحالة من الانقسام الداخلي وكان الصراع بين تيارات فلسطينية ولا دخل للمؤسسة وأذرعها بالحالة البائسة التي وصل إليها فلسطينيو البلاد.

برأيي إن الضرر الذي ولده نهج المشتركة بعزوف الناس عن الأحزاب والحركات السياسية الفاعلة محليا هو الغاية المرجوة وإقصاء الحركات السياسية وتهميشها بعيدا عن إدارة القضايا النضالية الحقيقية ومحاولة طمس هوية فلسطينيي البلاد في المشروع الصهيوني ومحاولة ترويضهم والقبول بتعامل المؤسسة الإسرائيلية معهم كرعايا مقابل بعض الفتات. وفي ظل هذه الحالة البائسة من الانحطاط الأخلاقي والسياسي، يجب على القوى السياسية الفاعلة مضاعفة مجهودها لوقف هذا النهج الخطير والرخيص.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط