طالبان الأمس ليست طالبان اليوم

قامت الولايات المتحدة باحتلال أفغانستان بحجة الدفاع عن الديمقراطية بيد من حديد، حيث قمعت ولاحقت الشعب الأفغاني وحاولت ترويضه ليتماشى مع مشروعها الكولونيالي والاقتصادي، إلا أنها لم تفلح بذلك، خاصة وأن الأفغان شعب قلما تغريه ملذات الدنيا وما إلى ذلك.

المحتل الأميركي عرف منذ البداية أنه لا بد له أن يخرج من بلاد الأفغان في مرحلة ما، خاصة وأن أسباب احتلاله لهذه البلاد معروفة وعلى رأسها مقدراتها التي لا تثمن. فأميركا كما أميركا وسياستها الانتهازية في بناء وكلاء لها في كل بلد تقوم باحتلاله، فهذا ما قامت به في أفغانستان وهو تسليم البلاد لحليف قديم جديد قبل الخروج بشكل استعراضي هزيل وخاصة بعد سرقة مقدرات البلاد من ليثيوم، ذهب، حجار كريمة ونفيسة وغيرها من المقدرات، وتركت البلاد تنزف بعد اتفاقية مع طالبان تقتضي أن يحافظ هذا التنظيم على ممر آمن وأن يبقى مرتبطا بالمستعمر حتى بعد خروجه.

لم تكترث واشنطن للشعب الأفغاني البتة ولا لما سيعانيه خاصة بعد فقدان هذه البلاد لمزايا دولة مؤسسات خاصة وأنها خضعت لسنوات تحت حكم عسكري سيطر على البلاد بقوة السلاح وبمساندة بعض الوكلاء المحليين الذين سرعان ما بدلوهم بأعضاء حركة طالبان في أول فرصة سانحة لذلك.

في الوقت الذي كانت الأضواء مسلطة على الحرب ضد الإرهاب ومحاولة القضاء على أوكار الإرهاب كما يدعون والتي كانت حركة طالبان متهمة بذلك، قام الجنود الأمريكان بحماية السارقين لنهب مقدرات أفغانستان وإيصالها إلى الخزينة الأمريكية، ولكن بقدرة قادر، تحول تنظيم طالبان إلى حليف ولم يعد إرهابيا وبات حامي حمى الديمقراطية ويستحق أن يستلم مقاليد الحكم في أفغانستان لتسيير أمور الدولة بوصاية أمريكية.

إن هذه المسرحية لن تتوقف عند هذا الحد، ولكنه مشروع سيتم تبنيه في أماكن عديدة في العالم وخاصة تلك البلاد التي حكمها وكلاء الأمريكان لسنوات ولم يعد بمقدورهم مواجهة المد الشعبي ضدهم وخاصة ذلك المد ذات الطابع الديني والذي لا يمكن مواجهته لحساسيته خاصة وإن كان مدعوما أمريكيا. فطالبان الأمس ليست طالبان اليوم، فلم يعد دورها نفسه الذي كان مركزيا قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وجهت حركة طالبان قوتها ضد الأمريكان، والذين قاموا بدورهم أي الأمريكان باحتلال أفغانستان بحجة الدفاع عن الديمقراطية وبث الأمن والأمان في العالم في الوقت الذي قاموا به بنهب مقدرات أفغانستان بمساندة وكلاء محليين.

بعد أن أصبح وكلاء الأمريكان في أفغانستان ملاحقون محليا وغير قادرين في المحافظة على مؤسساتهم ولا الحفاظ على الوجود الأميركي هناك، لم يكترث الأمريكان لحليف الأمس وسرعان ما قاموا بمفاوضة إرهابيي الأمس والقيام بتلميعهم وعقد اتفاقية مفادها بالأساس حماية الممرات الآمنة وبالمقابل قامت أميركا بالخروج من أفغانستان في الوقت الذي ما زال الجرح الأفغاني ينزف، دون الاكتراث لأي اعتبار إنساني أو ديمقراطي، فالأمريكان كما الأمريكان، سرعان ما يرمون وكلائهم في أول فرصة خاصة بعد أن تنفذ الحاجة منه.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط