الردة السياسية وإعادة الأمل للحركة الوطنية

قاسم بكري

ليس خافيا على أحد أن مجتمعنا العربي في أراضي 48 لحق بركب الانقسام والشرذمة، التي يعاني منها شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات، بفعل انشقاق القائمة العربية الموحدة/ الحركة الإسلامية (الجنوبية) التي هيمن عليها نهج منصور عباس وحرف بوصلتها التي كانت تسير وفقها منذ تأسيسها ونشأتها، وما سبقها من خطيئات خطيرة كخطيئة التوصية على الجنرال بيني غانتس لرئاسة الحكومة الإسرائيلية من قبل القائمة المشتركة، والتي مهدت الطريق وفتحت الأبواب أمام الخطيئة الأخطر، وهي انضمام قائمة عربية إلى حكومة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلية، وما تلاها من مواقف وتفوهات متنكرة لهويتنا الوطنية، وأخرى أقرب للأسرلة، بادعاء 'العمل على قضايا تهم المجتمع العربي في إسرائيل'.

لربما غاب عن عرب الحكومة ومعهم ائتلافهم برئاسة المستوطن نفتالي بينيت، وكذا المعارضة الإسرائيلية برئاسة بيبي نتنياهو، أنه يحق لنا نحن المواطنين العرب في إسرائيل أن ننظم أنفسنا، قوميا ووطنيا، وأن نسعى بكل ما أوتينا من قوة إلى تحقيق أهدافنا السياسية والاجتماعية، وفق مبادئ العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان وحقوق الشعوب بالعيش الكريم في أرض وطنها.

وعليه، فإنه لنا الحق كذلك أن نعمل في ظروفنا كأصحاب وطن أصلانيين، في إطار المواطنة والربط بين الهوية القومية وقيم الديمقراطية ومتطلبات بناء مجتمع عصري ومتطور، يسعى إلى تحقيق حل عادل لقضية شعبنا الفلسطيني، والذي نحن جزء منه.

نعم، فُرض علينا نحن أبناء الشعب الفلسطيني الذين بقينا على أرضنا وفي وطننا بعد نكبة العام 1948، العمل في ظل نظام دولة يُعرَفها بأنها يهودية، لا يقبل بأن تكون دولة لكل مواطنيها، لا بل شددت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من خلال فرض المزيد من القوانين العنصرية على التمسك بهوية الدولة اليهودية والفوقية اليهودية على غيرهم من المواطنين كـ'قانون القومية' و'منع لم الشمل'. ولا تزال هذه السلطات تعمل بشكل مستمر لتكريس امتيازات الأغلبية اليهودية، ورفض أي مطالبة من قبل المواطنين العرب لتعديل النظام، وتجريم المطالبة بذلك من خلال جهازها القضائي، إلى جانب موجات تحريض عدوانية متتالية لا حدود لها.

لقد سعت السياسة الإسرائيلية ولا تزال إلى هندسة وتوسيع أعداد اليهود والأراضي المتاحة لهم في إسرائيل ومساحات من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة التي تطمع فيها الحكومة الإسرائيلية لتوسيع رقعة الاستيطان اليهودي، مقابل تقييد حقوق الإقامة للفلسطينيين، وبضمنهم نحن في أراضي 48، وتقليص عددنا ومساحة الأراضي المتاحة لنا في هذه المناطق وفق مخططها 'تجميع أكثر عدد ممكن من الفلسطينيين على أقل مساحة أرض'.

لا تزال المؤسسة الإسرائيلية تعمل جاهدة بشكل دائم على صقل الذاكرة التاريخية المشتركة للمواطنين اليهود، وفي موازاة ذلك تعمل على فرض النسيان في الوعي الجمعي والذاكرة التاريخية الجامعة للمواطنين الفلسطينيين، ساعية إلى نفي ما يجمعهم وبناء هويات متصارعة، لتحل مكان الهوية القومية الواحدة، وتسعى إلى تغذية أسباب الخلافات وتعميق رقعة النزاعات بهدف تقويض أركان المجتمع العربي.

في ظل غياب أو تغييب الوحدة التي لطالما افتخر وفاخر بها قادة المجتمع العربي في البلاد، تبدو الحاجة ماسة للغاية إلى إعادة تطوير الفكر السياسي الجامع، ضمن آلية الدفاع عن الحقوق القومية والمدنية للمواطنين العرب، وإدراجها في إطار الجمع المباشر بين الوعي القومي لمواطنين مضطهدين ومهمشين، وبين أسس ومبادئ هامة كالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان.

تقع على القوى الوطنية والنُخب السياسية والأكاديمية مسؤولية تطوير مشروع 'دولة لجميع مواطنيها' في صميم المفهوم الخاص بالمواطنة الكاملة والمساواة التامة في حقوقنا الفردية والجماعية، وترجمته إلى برامج عملية ومطالب عينية تحمل أملا جديدا للمواطنين العرب في إسرائيل، ويشكل بديلا لمشاريع ومحاولات الأسرلة والاندماج والمقايضة مع الأيديولوجية الصهيونية التي تسيطر على السياسة الإسرائيلية.

على خلفية حالة الردة الراهنة في العمل السياسي أرى أنه آن الأوان، اليوم قبل الغد، للمباشرة بعملية استنهاض للهمم وإعادة بناء الحركة الوطنية على أسس سليمة وقوية تستند إلى مقومات الثبات والصمود، وبالتوافق بين قيادات العمل الوطني، استنادا إلى ركائز مشروع واقعي واضح المعالم.

وختاما، الآن بالذات، نحتاج إلى قدر كبير من العمل بحكمة وحنكة لتجديد الانطلاقة وإعادة بناء مشروعنا الوطني، وبث الأمل وتوفير الأفق الواسع أمام الشباب والأجيال الناشئة لغد أفضل.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط