المناكفة الحزبيّة في مواجهة النهج الجديد

عز الدين حوراني بدران

ينتابني القلق والأرق، ويلازمني الخوف على أولادي ومستقبلهم وما سأحمّلهم من مبادئ وقيَم وطنية واجتماعية وتقدّمية من شأنها المساهمة في مواجهة المستقبل الذي ينتظرهم على مرمى حجر من سنّهم الصغير.

أُدرِك تمامَ الإدراك أن غرس وتعزيز الانتماء للوطن والأرض والمجتمع في نفوسهم، هو أفضل طريقة لتحصين أنفسهم. لكن، مع المتغيرات السياسية مؤخرًا، بدأ الخوف يتسرّب إلى نفسي؛ خوف من أن هذا الحصن وسوره الواقي الصنديد، بدأ يتآكل في طريقه نحو الانهيار، أمام مهزلة التأثير و"الإنجازات" التي يبيعها بعض السياسيين للناس. هذا الوهم الذي بات يشكّل بوصلة لممثلي العرب في الكنيست، والذي بات منارة لحزب عربي فلسطيني إسلامي، جعله يرتمي في أحضان اليمين المتطرّف ويحافظ على حكومة معادية لنا بأيديه، مفضّلا لمّ شملها على شمل العائلات الفلسطينية، وأبناء العائلة والوطن الواحد.

للأسف الشديد -وأقولها وفي القلب غصّة- بات هذا الفصيل يعمل في الدفاع عن الحكومة وتبرير تشريعاتها العنصرية والمصادقة عليها، وتسويغ وتبرير هذه المشاركة في التشريعات العنصرية بأي ثمن، وتتضمن بعضها الكثير من المزاودات، وضرب ثوابت وطنية تربينا عليها وباتت من البديهيات لدى المجتمع الفلسطيني ومغروسة في وعيه الوطني، بعرض الحائط. وأكثر ما يزعجني ويقلقني هو محاولتهم كل مرة من جديد، تسويق هذه المواقف والقرارات على أنها وطنية ولا ضرر فيها على النسيج الوطني المتراكِم، والقول إن الوطنية لا تمانع ممارسة نهج "بوس الكلب من ثمه تتقضي حاجتك منه"، وأن العجز في مواجهة التمييز العنصري يواجَه بمزيد من الانبطاح والتذلّل، وأن الأقلية الفلسطينية ليست صاحبة الأرض، وأنها ليست مجموعة أساسا، وإنما أفراد نعمل على تخفيف وحلّ مشاكلهم بشتى الجهود والوسائل، والأهم دون ذكر حقوق جماعية لأقلية أصلانية ذات تاريخ مشتَرَك.

والمصيبة الأكبر أن هذا التيار ما زال جزءا من لجنة المتابعة للجماهير العربية الفلسطينية، وتحت راية "الإجماع الوطني" المتعارَف عليه، وهناك من يدافع عن المنبطحين لأنهم "يتلفعون" بعباءة الدين ويتحدثون بآيات وأحاديث لا يمارسون منها شيئًا، بل باتوا من يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.

إن مواجهة هذا النهج ليست مهمّة الحزبيين ولا الأحزاب فقط، مع أنها تتحمل قسمًا كبيرًا من هذه المسؤولية، وكذلك مسؤولية التدهور والتراجُع في العمل السياسي في العقد الأخير وآخرها كان توصية على قائد جيش لتشكيل حكومة إسرائيل.

ماطلنا كثيرا في البراغماتية لنلاقي حُسْن ظنّ القادة السياسية اليهودية الحاكمة، بحجّة التأثير وتحقيق الحقوق. هذا مسلسل تركي طويل الأحداث، نهايته معروفة؛ سنخسر كلّ رصيدنا الوطني ولن نربح إلا الفُتات، لهذا إن التصدي للتيار المذكور، هو مهمة كل شخص منّا، وكل غيور على مجتمعه ووطنه.

خوفا على أولادي وأولادكم، يتوجّب على المثقفين الفلسطينيين والمؤثرين أن يواجهوا هذا الخطّ المنبطِح، الذي ينسف كل ما أُنتج من وعي وتراكُم نضاليّ لا نعوّل إلا عليه في مواجهة العنصرية والتمييز والظلم، والذي قد نفتقده عندما نكون بأمسّ الحاجة إليه، وسنندم عندما لا ينفع الندم.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط