زعبي: نحتاج لإجتهادات ولمؤسسات متصالحة مع مفاهيم الحرية والعدالة

 

 

 


نستغل هذه الفرصة لإعادة المبادرة في فتح باب النقاش حول قانون الأحوال الشخصية وحول تعامل المحاكم الشرعية.

 

قرار المحكمة الشرعية حول منع سفر المرأة إلا بإذن زوجها، يُثير استياء كل من يطلب بالفطرة أن يتصالح دينه ومفاهيمه الاجتماعية مع حياة تحكمها الحرية، ومع حياة يسيطر فيها أفرادها -وليس وصاية خارجية مهما كان مصدرها- على حياتهم الشخصية.

 

لا يسعنا في سياق هذا القرار إلا أن نشير إلى ضعف مفاهيم الحرية وكرامة المرأة داخل أروقة المحكمة الشرعية، ولا يسعنا إلا أن نُعيد لأذهان كل من توقف عند هذا القرار، الضجة والتحريض اللذين قاما بعد أن تم طرح ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية قبل سنتين، وبعد أن استند النقاش حينها أيضا، إلى حق المجتمع في التعامل النقدي مع المحاكم الشرعية وحقه في مطالبة المحاكم بأن تعكس رؤية متصالحة مع حاجة مجتمعنا لتغليب وتعميق قيم الحرية والعدالة ومكانة المرأة كقيم ضرورية لنهضة مجتمعنا وتحرره من عصبياته وآليات القمع والوصاية التي تنشط فيه.

 

لا يعكس القرار الأخير ضعف قيم الحرية فقط، ولا هو يعكس فقط الاستهتار بمكانة المرأة، واستسهال تقييد حرياتها، بل هو يعكس مدى السلطة التي تشعر بها تلك المحاكم لدرجة تعطيها إمكانية إصدار قرارات متخلفة حتى عن الوضع القائم، الذي يحتاج الكثير من الإصلاح، ومدى ثقتها بأنها مؤسسات منغلقة عن مجتمعها ومستعصية على النقد الاجتماعي وغير خاضعة لمفاهيم أساسية في العدالة يحتاجها مجتمعها لكي ينهض ولكي يعيد ثقته بذاته وارتباطه بالعصر الذي يعيش فيه.

 

يساعد في بناء هذه السطوة، افتقادنا جميعنا، محامين أولا، وأحزاب وقيادات أيضا، إلى الجرأة في التعامل مع تلك المؤسسات، وإلى الثقة بالنفس التي تجعلنا نقف في وجه التحريض المشرع، من قبل من ينصب نفسه ممثلا 'للدين'، وسهولة قبول أن صوت 'ممثل الله على الأرض'، أقوى من صوت العدالة وحقوق الإنسان، وكأننا نقبل بانفصام بين أدياننا وأحكامها وبين العدالة والرّحمة.

علينا أن نتهم كل من يحاول سد باب النقاش باللجوء إلى التكفير أو التحريض، بالعنف، وبالاحتكار وبالوصاية وبالسطوة وبمحاولات الهيمنة، وبالخوف من النقاش لمصالح ذاتية في الكثير من جوانبها.


ثم علينا أن نعيد التأكيد بشكل واضح، أن 'الحكم الذاتي الثقافي' الذي يتغنى به البعض، ليس دائما هو دفاع وطني عن شعبنا، بل هو في كثير من الأحيان، دفاع عن انغلاق وسطوة المحاكم الشرعية. وعلينا أن نؤكد أن مصطلح 'الحكم الذاتي الثقافي'، لا يعني سيادة مطلقة لتلك المحاكم على نفسها، بل هو يعني حكم المجتمع وحقه في تسيير شؤونه ومؤسساته الداخلية، وليس حكم الدولة.

 

نعيد ونكرّر أننا نحتاج إلى طرح النقاش حول ضرورة تحديث وعصرنة المحاكم الشرعية لدينا، يشمل ذلك إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية، المتخلف لدينا عن العديد من الدول العربية، التي قامت بمراجعات عدّة ولسنوات طويلة خلت، وغيَّرت الكثير من الأحكام وأعادت تفسيرها بما بتوافق مع تغيرات الحياة ومتطلباتها وأحكامها، وما تزال تفعل.

 

كما أنّ مجتمعنا بحاجة ماسة إلى تجنب السكوت ومواقف الصّمت والحياد، ومسالك ' أخذ الحَيطَة' والحذر، وتجنّب ' دفع الثمن'، فقضايانا الاجتماعية الحارقة، جميعها قضايا 'حسّاسة' وجميعها تحتاج لخرق حاجز هيمنة قوي، وجميعها ينخر في عظم حياتنا وحرياتنا اليوميّة والشخصيّة.

كما أنِ القمع هو أكثر ما يحتاج لصمت 'الأبرياء'، وصوت القمع أقوى في أحيان كثيرة من صوت الحرية، ليس لأنه يعكس فئات أوسع، بل لأنه، وللأسف الشديد، أعلى وأكثر ثقة.

 

'إن هنالك من يقول بالوسطية،و ثمة من يريد أن يكون هناك أمير للمؤمنين، وهناك من ينادي بالديموقراطية والحرية. كل هذه الأفكار موجودة في الشارع العربي، ولم يتبلور إلا التطرف والسلطات القمعية؛ هذان هما الشيئان الوحيدان المتبلوران'.

 

الحرية أيضا تحتاج للجرأة.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط