د. جمال زحالقة*
07:22 - 30/06/2022
أكد وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس صحة الأخبار حول مشروع «تحالف الدفاع الجوي الشرق أوسطي»، وزاد بأن التعاون بين دول المنطقة لا ينحصر في مجال الدفاع الجوي، وبأن له أبعادا أخرى لا تقل أهمية. جاءت تصريحات غانتس في الكنيست، في أعقاب النشر الصحافي حول لقاء عسكري في شرم الشيخ في آذار/مارس الماضي، شارك فيه رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخابي ورئيس الأركان السعودي الجنرال فياض بن حامد الرويلي، وضبّاط أمريكيون من قيادة المنطقة الوسطى «سنتكوم» ومسؤولون عسكريون رفيعو المستوى من عدد من الدول العربية. وتأتي هذه التصريحات والتسريبات تحضيرا لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المرتقبة إلى المنطقة، التي من المتوقّع أن تكون لها تداعيات أمنية واستراتيجية مهمة.
زيارة بايدن
تحمل زيارة بايدن إلى المنطقة في ما تحمله رسالة من شقين، الأول أن الولايات المتحدة وبعد فشل حروبها في أفغانستان والعراق ليست مستعدة لخوض حروب جديدة، ولا تنوي القيام بتدخّل عسكري مباشر، وهذه ليست سياسة بايدن وحده، فقد سبقه ترامب وأوباما بتبنّي الاتجاه ذاته. والشق الثاني من الرسالة هو طمأنة حلفاء أمريكا في المنطقة، بأنّها لا تنوي ترك الشرق الأوسط وستواصل لعب دور مركزي في قضاياه المحورية، عبر احتضان الحلفاء ومحاصرة الخصوم. وينوي بايدن أن يوضّح لمن يلتقي بهم، أن هناك مساحة واسعة جدّا للعمل وللمناورة بين حدّي التدخل الحربي المباشر وحدّ المغادرة والانسحاب من المنطقة وهمومها.
إيران غير معنية بحل الصراعات الداخلية في العالم العربي، وتسعى لاستغلالها لصالحها، ولا علاقة لهذه السياسة بمواجهة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة
إضافة إلى الأهداف الاقتصادية الملحّة، تهدف زيارة بايدن إلى صياغة مجدّدة لمبادئ وأسس ومؤسسات التعاون الاستراتيجي والأمني، بين حلفاء الولايات المتحدة، استنادا إلى توجّهات المؤسسة الأمنية الأمريكية، التي انعكست في بنود صفقة القرن، وفي السياسات المعلنة وغير المعلنة للإدارة الديمقراطية الحالية. فمن المتوقّع أن تتمخّض قمة جدّة، التي سيشارك فيها عدد من رؤساء وملوك وأمراء دول عربية، عن الإعلان عن تحالف عسكري إقليمي. هذا التحالف سيكون تحت المظلّة الأمريكية. أمّا إسرائيل فهي لن تشارك في القمّة لكنّها ستشكّل مركّبا محوريا في أي تعاون إقليمي ترعاه الولايات المتحدة، وهذا ما لمّح له وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس، حين قال بأن التحالف العسكري الإسرائيلي مع دول المنطقة، لن ينحصر في المجال الجوي، وبأن التعاون الأمني الإسرائيلي يشمل دولا لا يمكن الكشف عن أسمائها ـ كما قال. ومن المتوقّع أيضا أن يقدم جو بايدن هدايا أمنية وسياسية ثمينة لإسرائيل، ولعل من أهمّها تأطير التعاون الأمني القائم بين إسرائيل ودول عربية، والاستجابة لطلب إسرائيل بالحصول على تمويل أمريكي لمشاريع تطوير سلاح الليزر بأشكاله وأنواعه كافة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الديمقراطيين ليسوا معنيين بالمرة بعودة نتنياهو حليف الجمهوريين، إلى الحكم في إسرائيل، فإنّ إدارة بايدن معنيّة جدّا بتقوية موقف وتعزيز مكانة خصوم نتنياهو، وبشكل خاص يائير لبيد وبيني غانتس، المعروفين بعلاقاتهما الحميمة مع قيادات ديمقراطية في الإدارة وفي الكونغرس. وبما أنه يبدو أن تطوير وصياغة نظام «تحالف الدفاع الجوي الشرق أوسطي» قد وصل إلى مرحلة متقدّمة، فليس من المستبعد أن يعلن عنه رسميا خلال زيارة بايدن.
منظومة الدفاع الجوي «ميادا»
لم يكتف وزير الأمن الإسرائيلي الجنرال بيني غانتس بالتصريح عن التقدم الحاصل في إقامة ما سمّي بـ»ميدل إيست إيير دفينس ألايانس» (ميادا)، بل أكّد أيضا أن هذا النظام بدأ العمل فعلا واستطاع إحباط عدّة محاولات إيرانية لإطلاق مسيّرات استهدفت مواقع في إسرائيل وفي دول أخرى. وتعوّل إسرائيل والولايات المتحدة كثيرا على إقامة نظام إقليمي ضد المسيّرات الهجومية، فهما تعتبرانها لا تقل خطورة عن الصواريخ الدقيقة، وتسعيان لإبطال مفعولها، لأنّها تخترق حدود الهيمنة الجوّية الأمريكية والإسرائيلية الكاملة في فضاء الشرق الأوسط. وبعد أن كانت الطائرات من دون طيار حصرا على الدول الكبرى، واستعملتها الولايات المتحدة في حروبها في أفغانستان والعراق، أصبح هذا السلاح متاحا للجميع، حيث تملكه اليوم 103 دول وكذلك 63 منظمة عسكرية غير حكومية. كما أن إنتاجه غير مكلف وبسيط نسبيا. وعليه كلما ازداد انتشار هذا السلاح زادت مخاطره، ليتحوّل إلى سلاح الفقراء.
لقد تمحور اجتماع شرم الشيخ، الذي عقد كما نشرت «وول ستريت جورنال» في مارس الماضي، وشارك فيه ضباط كبار عرب وأمريكيون، إضافة إلى رئيس الأركان الإسرائيلي، حول مواجهة تهديدات الطائرات المسيّرة الهجومية، الموجودة بكثرة في حوزة إيران وحلفاء إيران. وقد عرضت إسرائيل في هذا الاجتماع وغيره خدماتها في مجال الدفاع الجوي، خاصة منظومة القبّة الحديدية وتفرعاتها، وطرحت وما زالت تطرح التعويل على مشروعها الخاص بتطوير «سلاح الليزر» كرد استراتيجي على المسيّرات الهجومية، واقترحت وما زالت تقترح الحصول على تمويل أمريكي وعربي لهذا المشروع. لم تتضح بعد تفاصيل نظام «تحالف الدفاع الجوي الشرق أوسطي»، إلا أنه يمكن الاستدلال على بعض معالمه استنادا إلى ما نشرته وسائل الإعلام التخصصية والعامة:
*هذا نظام إقليمي تحت رعاية ومظلة أمريكية، تشارك فيه خمس دول عربية على الأقل إلى جانب إسرائيل، التي تلعب فيه دورا مركزيا إضافة إلى دورها كوكيل للولايات المتحدة، حتى حين تكون الولايات المتحدة حاضرة.
*هذه مرحلة أولى لمأسسة التعاون العسكري الإقليمي ستتلوها مراحل.
*يستند التحالف إلى منظومة إنذار مبكّر مشتركة، تقوم بإيصال فوري لمعلومات حول هجوم مسيّرات وصواريخ، ما يفعّل تلقائيا استهدافا لجسم التهديد لإسقاطه وإبطال مفعوله. وإن فشل الرد يجري تفعيل خط الدفاع الثاني للقيام بالمهمة. وهذا ما تستفيد منه إسرائيل بشكل خاص، حيث ستشكّل دول عربية حزاما أمنيا أماميا لحماية الدولة العبرية.
*يشمل هذ النظام نصبا لأجهزة رادار واستكشاف إسرائيلية في دول خليجية، ويشمل في تكوينه أنظمة دفاع جوي إسرائيلية متطوّرة، ستقوم إسرائيل بتفعيلها مباشرة.
أين حلفاء إيران
نقف هذه الأيام في محطّة تاريخية مفصلية، حيث يتبلور علنا ورسميا تحالف دول عربية وازنة مع إسرائيل، وسيكون له ثقل استراتيجي وعسكري وسياسي وحتى ثقافي وحضاري. لقد تخطّينا مرحلة التصريحات الرمزية على مصائبها، إلى عمق التحوّلات الجوهرية الكارثية، حيث يصبح العرب حماةً لإسرائيل ولمشاريعها الكولونيالية الاستيطانية. ومهما كانت التبريرات والمسوّغات فإن الارتماء في الحضن الإسرائيلي هو خطيئة وهو جريمة بحق الشعب الفلسطيني وبحق العروبة.
ولكن الذنب ليس ذنب الأنظمة العربية وحدها، فإيران تتحمّل مسؤولية كبيرة بسبب سياسة التمدد المنفلت والتدخل السافر في شؤون الدول العربية، وبسبب محاولاتها المتواصلة للهيمنة على مصير دول عربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي تحشر أنفها حتى في قضية الصحراء الغربية. ويبدو أن إيران غير معنية بحل أي من الصراعات الداخلية في العالم العربي، وتسعى لاستغلالها لصالحها، ولا علاقة لهذه السياسة بمتطلّبات مواجهة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. وإذا أرادت إيران حقّا مواجهة أمريكا فعليها التحالف مع العرب لا السعي لإخضاعهم لإرادتها. وإذا كانت تريد فعلا مواجهة إسرائيل، فعليها الكف عن دفع الدول العربية باتجاه التحالف مع الكيان الإسرائيلي. لماذا لا تقوم إيران بطمأنة الشعوب العربية والأنظمة العربية بأنّها لن ترميهم بنيرانها؟ ولماذا لا تطرح مبادرة مصالحة تستفيد منها هي قبل غيرها؟ هناك من يعتقد أن السياسة الإيرانية تتسم بالدهاء وهذه مبالغة. فهناك خطوات إيرانية تتسم بالدهاء، لكن مجمل الاتجاه القائم للسياسة الإيرانية يفتقد للحكمة، فلا مصلحة اقتصادية أو عسكرية أو سياسية أو ثقافية لإيران بالاصطدام مع العرب. قد تدير إيران هذه المعركة بذكاء، لكن بلا حكمة على المدى البعيد.
وبالتأكيد أيضا أن لا مصلحة للعرب في مواجهة إيران، ولكن من يستطيع أن يلعب دورا جديا في رأب الصدع؟ أين حلفاء إيران العرب؟ لماذا لا يقلبون الدنيا لإيجاد مخرج من مصائب أزمة العلاقة الإيرانية العربية؟ ألا يرون الانهيار الحاصل؟ ألا يرون انهم هم أيضا سوف يدفعون الثمن غاليا؟
الأمور تتجه بوضوح نحو هاوية سقوط عربي قتّال في الشرك الإسرائيلي، وقد يكون هناك أمل في إنقاذ الأحوال في اللحظة الأخيرة. هذا لن يأتي ما دامت إيران على سياساتها وبتوجهاتها المستهترة بالكيان العربي والمعادية له. يمكن لحلفاء إيران العرب أن يلعبوا دورا تاريخيا في المصالحة، من دون أن يتخلوا لا عن انتمائهم العربي ولا عن صداقتهم لإيران. عليهم أن يلعبوا هذا الدور باسم فلسطين وباسم العروبة والإسلام. فهل هم فاعلون قبل فوات الأوان؟
*رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي
تصميم وبرمجة: باسل شليوط