سرقة الوطن قطعة قطعة

المشكلة ليست بحكومة إسرائيل بل بالإسرائيليين. هذا الاستنتاج الأهم من الانتقام من الطفلة عهد التميمي، بعد حياكة لائحة اتهام خطيرة بحقها لصفعها جنديين اقتحما بيتها غداة إصابة ابن عمها بجراح قاسية جدا في بلدتها النبي صالح. وتدلل تعقيبات الإسرائيليين على اعتقال عهد، باقتحام فراشها فجرا وتقديم لائحة اتهام انتقامية ضدها، على لامبالاة وبلادة إحساس وإنكار للواقع وغطرسة. تكرر ذلك في اعتقال عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، المناضلة خالدة جرار، وقبلها قتل الشاب المعاق من غزة.

إن شيطنة الفلسطينيين واحدة من طرق التحريض عليهم من قبل المؤسسة الحاكمة والشارع في إسرائيل، وواحدة من طرق بناء ما هو أسمك من جلد الفيل بل أضخم من جدار الفصل العنصري، لحماية الذات من تأنيب ضمير إزاء استمرار احتلال شعب ونهب مقدراته.

وفي تقريره السنوي حول خريطة التهديدات الخارجية لإسرائيل، لم يتطرق "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب للقضية الفلسطينية، وكرر ذلك قائد الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، أمس، بتجاهله الصراع وتكريس كلمته في مؤتمر هرتسليا لإيران وسورية وحزب الله، وهذا ينم عن العمى إياه والغطرسة إياها.

ولا يحرك الإسرائيليين شيئا نحو إنهاء احتلال 1967 سوى تدفيعهم ثمن حقيقي، كما تدلل تجارب شعوب أخرى، وهذا مفقود ومعطل منذ سنوات. هذا الوضع الراهن مستمر لسنوات إضافية على ما يبدو نتيجة عدة عوامل منها أن الفلسطينيين مستنزفون منذ قرن ومنقسمون اليوم بين إمارتين، والسلطة الفلسطينية لم تشف بعد من مفاوضات عقيمة، كما أن العالمين العربي والإسلامي غائبان، والعالم يثرثر ولا يعاقب الاحتلال، والولايات المتحدة تدعمه. واستغلت إسرائيل مفاوضات ما بعد أوسلو غطاء لإنجاز حقائق على أرض الفلسطينيين وقضم وطنهم قطعة قطعة كشرائح " الشوارما " أو "نقانق السلامة".

في ظل غياب مشروع فلسطيني بديل يبدو أن الغطرسة الإسرائيلية إياها، التي محت الخط الأخضر (قانون القدس وقانون الضفة وتصريح ترامب)، ستدفع لإعادة طرفي الصراع إلى المربع الأول، إلى ما قبل 1948. الطبيعة تشق طريقها وتنتج واقعا جديدا بعد سنوات، يبدو الآن خياليا، لكنه بالطريق إلينا. والمفارقة أنه سيعيد الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر المتآكل تحت خيمة واحدة.

هذا لا يعني بالضرورة تحقيق تسوية الدولة الواحدة فالطريق أقصر، في البداية على الأقل، نحو جنوب أفريقيا جديدة ولما يشبه الحرب الأهلية، قبل التوافق ربما على نظام سياسي يرضى به الطرفان.

وتمضي إسرائيل، اليوم، بثبات ومنهجية نحو إنهاء خنق تسوية الصراع بـ"الدولتين"، وهي تمثّل المشكلة. لكنها تقود الصراع نحو الحل، ونحو مرجعياته الأولى، وعندئذ ستختار بين أن تكون دولة ديمقراطية وبين أن تصبح دولة عنصرية تحكم فيها أقلية يهودية أغلبية فلسطينية. وهذه العودة إلى المربع الأول هي حالة طبيعية في مجريات التاريخ وليست تهديدا فارغا يستخدمه بعض رموز اليسار الصهيوني لكسب النقاط بدعوتهم لـ"الدولتين".

في المدى البعيد، ستتقدم إسرائيل نحو ما هو ليس بصالحها، ليس بفضل نباهة الفلسطينيين، وإنما بفضل غباء وجشع وغيبية قادتها. ويبقى السؤال السياسي والأخلاقي، ما هو دور الفلسطينيين حيال هذا الواقع؟ يبدو أنه في الواقع الحالي "تدفيع الثمن" الفوري غير متوفر بالقدر الكافي، ويبدو أن الاستعداد لنضال مدني على مبدأ "شخص واحد صوت واحد" هو السلاح الأخير أمام الفلسطينيين مقابل إسرائيليين جدد منغمسين بذواتهم وإسرافهم متعامين عن عذابات جيرانهم السكان الأصليين. ويبدي كثيرون منهم جاهزية أكبر للهجرة إلى برلين بحثا عن الراحة والسكينة وجودة الحياة، وبالتالي جاهزية أقل للتمسك بالصهيونية. بعدما رضي الكثيرون منهم بالبين والبين ما رضي بهم، لم يبق أمام الفلسطينيين سوى تعزيز قدراتهم على البقاء في وطنهم وزيادة مناعتهم على المقارعة بنفس طويل.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط