لم يبدأ العار بأوسلو..

كثيرون يظنون أن الانتكاسة بدأت مع خروج اتفاقية أوسلو إلى حيز التنفيذ وأن سلسلة مشاريع التطبيع استخلصت العبر من تطبيع منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن أنهكها التنقل بين بلدان عربية ولجوء غير مرغوب فيه أحيانا وأخرى مرغوبا فيه لأخذ شرعية الحاكم من شعبه المضياف كالتونسيين.

إلا أن للحقيقة والتاريخ فإن العار بدأ منذ فترة استقلال الكيان الصهيوني وبدء تنفيذ مشروعه مترامي الأطراف والمكائد.

فالعار بدأ عندما شارك أبناء جلدتنا في بناء هذا الكيان، ظنا منهم أنهم سيكونون شركاء متساوين في الحقوق والواجبات، ولكن سرعان ما تبدد هذا الحلم بتبديلهم بمن يرضون بأقل من ذلك بكثير كعضوية في البرلمان الإسرائيلي بغية تعزيز مكانته الاجتماعية بين ربعه "يكبر بين ربعه" بلا أي تأثير أو مكانة تذكر في السياسة الإسرائيلية، وبقي الأمر على ذلك الحال حتى ظهور بعض التيارات السياسية اليسارية والوطنية بين صفوف فلسطينيي البلاد وبتأثير المستجدات في المنطقة من حروب وتغيير بخارطة الشرق الأوسط وضياع البوصلة أحيانا.

لم تستطع الحركات الوطنية واليسارية من وأد ظاهرة وكلاء التأثير من الفلسطينيين على الساحة الإسرائيلية، بل بدأوا يتكاثرون داخل الأحزاب الصهيونية اليسارية بحجج واهية وكأن اليسار يعج بالحمائم وحاملي لواء المساواة والعيش المشترك.

فمنذ البداية بيتّ الكيان الصهيوني خطة ممنهجة لفلسطينيي البلاد والعمل على ترويض مشروعهم ودمجهم داخل المجتمع الإسرائيلي والتسليم بالأمر الواقع.

فأوسلو لم يكن سببا لأي تطبيع لاحق وإنما نتيجة للحالة المهترئة التي وصل إليها العمل السياسي والنضالي لدى فلسطينيي البلاد وحالة اليأس في الضفة والقطاع، هذا ناهيك عن أنظمة الخنوع في العالم العربي.

الكثيرون يلومون من وقع على معاهدة أوسلو البغيضة ولكنهم يتناسون الظروف التي مر بها الفلسطينيين في الشتات والمآسي التي حلت بهم بسبب غدر الكثيرين من عرب وعجم.

أوسلو لم يكن سوى نتيجة لحالة يأس وأتى علينا بالويلات وفتح باب واسع من الانبطاح الذي كان حتى أوسلو يتيما خجولا وتحول إلى العلن والجهر به وكأننا نعيش بفترة منقطعة عن السياق والتاريخ، وليس صدفة ما نراه مؤخرا عند بعض التيارات التي حملت لواء الدين كغطاء وأعطت لنفسها شرعية في الانصهار بحكومة الكيان التي تعمل ليل نهار على قمع كل ما هو عربي وفلسطيني بحجج أبعد ما تكون ذات قيمة، مستغلة حالة اليأس وفقدان الأمل التي وصل إليها فلسطينيي البلاد.

فمن يظن أن أوسلو هو السبب الرئيسي، فإنه على خطأ، إنما هناك مشاريع دنيوية، تشرع كل تنازل عن الثوابت والمسلمات، لقاء بعض الفتات والذي بدأ وكلاء الله على الأرض يسوقونه على أنه أحد أبواب الجنة الذي قاموا بفتحه على مصراعيه ليهنأ به الفلسطينيين، متجاهلين معاناة عشرات السنوات من البطش والحرمان.

يبقى أوسلو وإخفاقاته أرحم بكثير من مكانة عبيد المنزل في حكومة الكيان، فمن وقع على اتفاقية أوسلو، ظنّ أنه سيحصل على أراض فلسطينية لإقامة وطن قومي للفلسطينيين أصحاب الأرض، في الوقت الذي وصل به أبناء الموحدة إلى درك أسفل من التنازلات مقابل بعض بواقي الحقول "البعارة" محاولين تسويقه على أنه مفتاح الأندلس. وسيصيبهم ما أصاب الغراب الذي قام بتقليد طير الخجل، فلم يتقنها ولم ينجح باستعادة مشيته الأصلية، وكلنا أمل أنه بعد هذه المهزلة سيعود أبناء الموحدة إلى رشدهم فخير الخطائين التوابون.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط