الاعتقالات الإدارية

تخرج علينا شرطة إسرائيل مدعومة من أبواقها ووكلائها الجدد بمقترح تفعيل الاعتقالات الإدارية في الداخل الفلسطيني، مستغلة حالة اليأس التي وصل إليها المجتمع الفلسطيني في الداخل والذي سببه بالأساس تفشي العنف والجريمة والذي كما صرحت الشرطة تديره قوى الأمن السرية وتدعمه وتعزز مكانته يوما بعد يوم.

هل فعلا تريد شرطة إسرائيل تفعيل الاعتقالات الإدارية لمساندتها لأنها عاجزة في جوررة العنف والجريمة، أم لأنها تخبئ في ذلك نواياها الحقيقية في ملاحقة النشطاء السياسيين والاجتماعيين الذين يقضون مضجعها؟

هل فعلا تحترم قوى الأمن الداخلي القانون وما يقودها إلى الاعتقالات الإدارية فقط لحساسيتها المفرطة لديمقراطية كيانها؟

لو كانت الشرطة موثوقة أو مهنية، ما كنا أعرنا أي اهتمام لمثل هكذا اقتراح وخاصة إذا كان الأمر لا يتعلق بالمجتمع الفلسطيني بالداخل ولا أبناءه، إنما بمنظمات المؤسسة غير الرسمية والتي تدار من قبل جهاز الأمن عن طريق وكلاء وشركاء لتدمير المجتمع الفلسطيني في الداخل. 

من فمك أدينك، ليس بالوقت البعيد، تراشقت قيادات الشرطة وقيادات الأمن العام، بان العالم السفلي مدعوم من قبل أجهزتها ولولا هذا الدعم لكان من السهل القضاء على هذه المنظمات وزجها بالسجن وجوررة آفة العنف والجريمة.

للحقيقة والتاريخ قامت قوى الأمن السرية والعلنية بملاحقة شخصيات، أحزاب وحركات دينية ووطنية ومحاصرتها لمجرد أنها تناضل ضد سياسات القمع والعنصرية التي تنتهجها المؤسسة الإسرائيلية، كما أنه يعرف القاصي والداني، أن قوى الأمن الإسرائيلية ليست بحاجة لأي اعتقالات إدارية لممارسة بطشها وقمعها لكل تحرك يقض مضجعها، فلماذا تحولت اليوم إلى دفيئة ديمقراطية ولطيفة؟

إن قوى الأمن الإسرائيلية خرجت ليس بالزمن البعيد، بترسانتها المدججة بالسلاح والعساكر بإغلاق مكاتب الحركة الإسلامية الحقيقية وملاحقة قياداتها وتلفيق التهم الواهية لها دون رقيب ولا حسيب، وكذلك الأمر مع قيادات التجمع الوطني الديمقراطي، حيث اشترك بالحملة 3 آلاف جندي بأسلحتهم ومركباتهم لاعتقال قيادات في الحزب بتهم واهية، حيث تم اقتحام بيوتهم في ساعات ما بعد منتصف الليل ولم يقض ذلك مضجع الديمقراطيون وأصحاب الحس المرهف على مجتمعنا من المتجددين في اليمين الإسرائيلي.

إن القوة العسكرية والأمنية التي استخدمتها المؤسسة بملاحقة قيادات التجمع الوطني والحركة الإسلامية الحقيقية، تستطيع صيد وقنص منظمات الإجرام بأقل من 24 ساعة، وعجزها الذي تدعيه، والذي تحاول بثه لا يدل إلا على مخطط تتلاعب به المؤسسة الأمنية بعائلات الإجرام وتسيطر عليهم سيطرة تامة بمقدورها تفعيلهم وطمسهم متى تشاء، بحسب ما ترتئيه مناسبا لها.

كما يقول المثل "حارتنا ضيقة، وبنعرف بعض" فالمساحة التي يحتلها الكيان داخل مناطق الـ48، ليست بالكبيرة، ومن السهل السيطرة عليها أمنيا، خاصة في ظل وجود أجهزة المراقبة المتطورة، حيث لا يستطيع أيا كان التحرك دون إذن من الأجهزة الأمنية، وثبت ذلك مؤخرا أيضا عند تعقب الأسرى الستة الذين حرروا أنفسهم من سجن جلبوع، حيث ثبت بالدليل القاطع أنه من الصعب التحرك بوجود أجهزة التعقب والمراقبة المتطورة.

حري بمن يدعم هكذا منظومة من الاعتقالات الإدارية من أبناء جلدتنا والذين يتربعون على عرش حكومة الكيان، أن يكونوا متيقظين، هذا إذا كانت لديهم النية الصادقة فعلا، لهذه الامور، إلا إذا كانوا ينوون أن يكونوا ذراعا للسلطة لقمع كل ما يتعارض مع سياسات الحكومة "قشة لفة".

هذا ناهيك عن كون المجتمع الفلسطيني في الداخل بأكثريته، مجتمعا متماسكا، دينيا، اجتماعيا، حمائليا ووطنيا ومن الصعب اختراقه لولا دعم من الأجهزة الأمنية لهم، حيث ينعمون هؤلاء بحرية التحرك والسيطرة على بعض المواقع بالسلاح والمال.

لبعض الهواة نقول، إن القضاء على العنف والجريمة لا يتحقق سوى بالعودة إلى الثوابت والمرجعيات الدينية والوطنية وتعزيز مكانتها بشكل حقيقي ولتأخذ دورها في المؤسسات التربوية والدينية والاجتماعية بشكل حقيقي.

فمن يرى بالإسلام انه الحل، فليكن، ونعم الحل، ومن يرى أن المرجعية الوطنية والقومية هي الحل فليكن، فالمرجعيات الدينية والوطنية بشتى انتماءاتها وأطيافها تدعو إلى التسامح واحترام الآخر، ولا تناقض بين هذه التيارات باحترام العادات والتقاليد وتعزيز المحبة، الألفة والتسامح.

إن مجتمعنا ما زال الخير فيه، ونستطيع أن نبني جسرا من المحبة والتفاهم ونبذ العنف ومحاصرة أعداء المجتمع خارج المشهد الاجتماعي والعمل على تربية جيل يعتز بأهله وأناسه ويعمل على حمايتهم ومحاربة أعداءه.


تصميم وبرمجة: باسل شليوط